(تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) أي السماء وما فيها. تردفها فتنشق وتنتثر كواكبها. ولوقوع ذلك فيها بعد الرجفة الأولى ، جعلت رادفة لها. أو الرادفة النفخة الثانية لبعث يوم القيامة.
قال الحسن : هما النفختان. أما الأولى فتميت الأحياء. وأما الثانية فتحيي الموتى. ثم تلا الحسن : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر : ٦٨] ، (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ) أي شديدة الاضطراب ، خوفا من عظيم الهول النازل (أَبْصارُها خاشِعَةٌ) أي أبصار أهلها ذليلة ، مما قد علاها من الكآبة والحزن ، من الخوف والرعب. وقوله تعالى : (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) قال ابن جرير : أي يقول هؤلاء المكذبون بالبعث من مشركي قريش ، إذا قيل لهم إنكم مبعوثون من بعد الموت : أإنا لمردودون إلى حالنا الأولى قبل الممات ، فراجعون أحياء كما كنا؟ وقال أبو السعود : حكاية لما يقوله المنكرون للبعث المكذبون بالآيات الناطقة به ، إثر بيان وقوعه بطريق التوكيد القسمي ، وذكر مقدماته الهائلة وما يعرض عند وقوعها للقلوب والأبصار. أي يقولون ، إذا قيل لهم إنكم تبعثون ، منكرين له متعجبين منه : أإنا لمردودون بعد موتنا في الحافرة؟ أي في الحالة الأولى. يعنون الحياة. من قولهم (رجع فلان في حافرته) أي في طريقته التي جاء فيها فحفرها. أي أثر فيها بمشيه.
وتسميتها (حافرة) مع أنها محفورة كقوله تعالى : (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١] ، أي منسوبة إلى الحفر والرضا. أو كقولهم (نهاره صائم) على تشبه القابل بالفاعل. أي شبه القابل للفعل بمن يفعله ، لتنزيله منزلته. فالاستعارة في الضمير المستتر ، وإثبات الحافرية له ، تخييل.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) (١٤)
(أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) أي بالية. وقرئ ناخرة. من (نخر العظم) بلي. فصار يمرّ به الريح فيسمع له نخير ، وقوله تعالى : (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) أي ذات خسر. أو خاسرة أصحابها أي إن صحت فنحن إذا خاسرون. قال ابن زيد : وأي كرة أخسر منها؟ أحيوا ثم صاروا إلى النار ، فكانت كرة سوء.