سببه. أو هي الملائكة تدبر ما نيط بها من أمر الله تعالى. وقد جوّز فيما قبلها أن تكون الملائكة أيضا. واللفظ الكريم متسع لما ذكر من المعاني بلا تدافع. ولا إمكان للجزم بواحد ، إذ لا قاطع. ولذا قال ابن جرير : الصواب عندي أن يقال إنه تعالى أقسم بالنازعات غرقا ، ولم يخصص نازعة دون نازعة. فكل نازعة غرقا ، فداخلة في قسمه ملكا أو نجما أو قوسا أو غير ذلك. وكذا عم القسم بجميع الناشطات من موضع إلى موضع. فكل ناشط فداخل فيما أقسم به ، إلا أن تقوم حجة يجب التسليم لها ، بأن المعنى بالقسم من ذلك ، بعض دون بعض. وهكذا في البقية. وكلامه رحمهالله متجه للغاية. إذ فيه إبقاء اللفظ على شموله ، وهو أعم فائدة وعدم التكلف للتخصيص بلا قاطع. وإن كانت القرائن واستعمال موادها في مثلها وشواهدها ، مما قد يخصص الصيغ. إلا أن التنزيل الكريم يتوقّى في التسرّع فيه ما لا يتوقى في غيره.
لطائف :
قال أبو السعود : العطف مع اتحاد الكل ، بتنزيل التغاير العنواني منزلة التغاير الذاتي كما في قوله :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
للإشعار بأن كل واحد من الأوصاف المعدودة من معظمات الأمور ، حقيق بأن يكون على حياله ، مناطا لاستحقاق موصوفه للإجلال والإعظام ، بالإقسام به من غير انضمام الأوصاف الأخر إليه. والفاء في الأخيرين للدلالة على ترتبهما على ما قبلهما بغير مهلة. و (غَرْقاً) مصدر مؤكد بحذف الزوائد. وانتصاب (نَشْطاً) و (سَبْحاً) و (سَبْقاً) أيضا على المصدرية ، وأما (أَمْراً) فمفعول للمدبرات. وتنكيره للتهويل والتفخيم. والمقسم عليه محذوف ، تعويلا على إشارة ما قبله من المقسم به إليه ، ودلالة ما بعده من أحوال القيامة عليه ، وهو (لنبعثن) وبه تعلق قوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) (١٠)
(يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) أي الواقعة التي ترجف عندها الأجرام الساكنة. أي تتحرك حركة شديدة وتزلزل زلزلة عظيمة. فالإسناد إليها مجازي لأنها سببه. أو التجوز في الطرف يجعل سبب الرجف راجفا. أو الراجفة الأجرام الساكنة التي تشتد حركتها حينئذ كالأرض والجبال. فتسميتها راجفة باعتبار الأول. قال الشهاب : ولو فسرت الراجفة بالمحركة جاز ، وكان حقيقة. لأن (رجف) يكون بمعنى حرّك وتحرّك.