قيل : عمي رضي الله عنه بعد نور. وقيل : ولد أعمى. ولذا لقبت أمه أم مكتوم. والتعرض لعنوان عماه ، إما لتمهيد عذره في الإقدام على قطع كلامه صلىاللهعليهوسلم وتشاغله بالقوم : وإما لزيادة الإنكار. كأنه قيل : تولى لكونه أعمى. وكان يجب أن يزيده لعماه ، تعطفا وترؤفا وتقريبا وترحيبا.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) (١٠)
(وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) أي يتطهر ـ بما يتلقن منك ـ من الجهل أو الإثم. وفي الالتفات إلى الخطاب إنكار للمواجهة بالعتب أوّلا ، إذ في الغيبة إجلال له صلىاللهعليهوسلم ، لإيهام أن من مصدر منه ذلك غيره ، لأنه لا يصدر عنه مثله. كما أن في الخطاب إيناسا بعد الإيحاش ، وإقبالا بعد إعراض.
وقال أبو السعود : وكلمة (لعل) مع تحقق التزكي ، واردة على سنن الكبرياء أو على اعتبار معنى الترجي بالنسبة إليه صلىاللهعليهوسلم. للتنبيه على أن الإعراض عنه ، عند كونه مرجوّ التزكي ، مما لا يجوز. فكيف إذا كان مقطوعا بالتزكي؟ كما في قولك (لعلك ستندم على ما فعلت) وفيه إشارة إلى أن إعراضه كان لتزكية غيره. وأن من تصدى لتزكيتهم من الكفرة لا يرجى منهم التزكي والتذكر أصلا (أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) أي يعتبر ويتعظ فتنفعه موعظتك. وتقديم التزكية على التذكر. من باب تقديم التخلية على التحلية.
(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) أي بماله وقوته عن سماع القرآن والهداية والموعظة (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) أي تعرض بالإقبال عليه ، رجاء أن يسلم ويهتدي (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) أي وليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام. إن عليك إلا البلاغ. قال الرازي : أي لا يبلغن بك الحرص على إسلامهم ، إلى أن تعرض عمن أسلم ، للاشتغال بدعوتهم (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) أي يسرع في طلب الخير (وَهُوَ يَخْشى) أي يخاف الله ويتقيه (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) أي تعرض وتتشاغل بغيره.
تنبيهات :
الأول : قال السيوطي في (الإكليل) : في هذه الآيات حث على الترحيب بالفقراء والإقبال عليهم في مجلس العلم وقضاء حوائجهم ، وعدم إيثار الأغنياء عليهم. وقال الزمخشري : لقد تأدب الناس بأدب الله في هذا تأدبا حسنا. فقد روي