الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) [الإسراء : ٣٤] ، أي مطالبا به مسؤولا عنه. والوجه الآخر أن يكون السؤال توجه إليها على الحقيقة ، على سبيل التوبيخ له ، والتقريع له ، والتنبيه له ، على أنه لا حجة له في قتلها. ويجري هذا مجرى قوله تعالى لعيسى عليهالسلام : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [المائدة : ١١٦] ، على طريق التوبيخ لقومه ، وإقامة الحجة عليهم. فإن قيل على هذا الوجه : كيف يخاطب ويسأل من لا عقل له ولا فهم؟ فالجواب أن في الناس من زعم أن الغرض بهذا القول ، إذا كان تبكيت الفاعل وتهجينه وإدخال الغم عليه في ذلك الوقت على سبيل العقاب ، لم يمتنع أن يقع. وإن لم يكن من الموءودة فهم له. لأن الخطاب. وإن علق عليها ، وتوجه إليها ، والغرض في الحقيقة به غيرها. قالوا وهذا يجري مجرى من ضرب ظالم طفلا من ولده فأقبل على ولده يقول له : ضربت ما ذنبك وبأي شيء استحل هذا منك؟ فغرضه تبكيت الظالم لا خطاب الطفل. والأولى أن يقال في هذا : إن الأطفال ، وإن كانوا من جهة العقول لا يجب في وصولهم إلى الأغراض المستحقة ، أن يكونوا كاملي العقول ، كما يجب مثل ذلك في الوصول إلى الثواب. فإن كان الخير متظاهرا والأمة متفقة على أنهم في الآخرة ، وعند دخولهم الجنان يكونون على أكمل الهيئات وأفضل الأحوال ، وأن عقولهم تكون كاملة ، فعلى هذا يحسن توجه الخطاب إلى الموءودة ، لأنها تكون في تلك الحال ممن تفهم الخطاب وتعقله. وإن كان الغرض منه التبكيت للقاتل وإقامة الحجة عليه. انتهى.
قال الشهاب : والتبكيت قرره الطيبيّ ، بأن المجنيّ عليه إذا سئل بمحضر الجاني ونسبت له الجناية دون الجاني ، بعث ذلك الجاني على التفكّر في حاله وحال المجني عليه. فيرى براءة ساحته ، وأنه هو المستحق للعقاب والعذاب. وهذا استدراج على طريق التعريض ، وهو أبلغ من التصريح. والمراد بالاستدراج سلوك طريق توصل إلى المطلوب بسؤال غير المذنب ونسبة الذنب له. حتى يبين من صدر عنه ذلك. كما سئل عيسى دون الكفرة ، وهو فن من البديع ، بديع. انتهى.
وقال الزمخشريّ وإنما قيل (قتلت) بناء على أن الكلام إخبار عنها.
تنبيه :
قال السيوطيّ في (الإكليل) : في الآية تعظيم شأن الوأد ، وهو دفن الأولاد أحياء. وأخرج مسلم (١) أنه صلىاللهعليهوسلم سئل عن العزل فقال : الوأد الخفيّ. وهي : وإذا الموءودة سئلت. انتهى.
__________________
(١) أخرجه مسلم في : النكاح ، حديث رقم ١٤١ ، عن جذامة بنت وهب الأسدية.