والصحيح أنه بمعنى النسبة ك (لابن وتامر) أي ذي دفق ، وهو صادق على الفاعل والمفعول. أو هو مجاز في الإسناد. فأسند إلى الماء ما لصاحبه مبالغة. أو هو استعارة مكنية أو مصرحة بجعله دافقا. لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق بعضه بعضا أي يدفعه. أو دافق بمعنى منصب من غير تأويل ، كما نقل عن الليث. أقوال.
وقوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) أي من بين صلب الرجل ونحر المرأة.
قال الإمام : الصلب هو كل عظم من الظهر فيه فقار. ويعبر عنه في كلام العامة بسلسلة الظهر. وقد يطلق بمعنى الظهر نفسه إطلاقا لاسم الجزء على الكل و (الترائب) موضع القلادة من الصدر ، وكنى بالصلب عن الرجل وبالترائب عن المرأة. أي أن ذلك الماء الدافق ، إنما يكون مادة لخلق الإنسان ، إذا خرج من بين الرجل والمرأة ووقع في المحل الذي جرت عادة الله أن يخلقه فيه ، وهو رحم المرأة. فقوله (يخرج) إلخ وصف لا بد من ذكره لبيان أن الإنسان إنما خلق من الماء الدافق المستوفي شرائط صحة الخلق منه.
وقال بعض علماء الطب : الترائب جمع تريبة وهي عظام الصدر في الذكر والأنثى. ويغلب استعمالها في موضع القلادة من الأنثى ، ومنها قول امرئ القيس :
ترائبها مصقولة كالسّجنجل
قال : ومعنى الآية أن المني باعتبار أصله وهو الدم ، يخرج من شيء ممتد بين الصلب ـ أي فقرات الظهر في الرجل ـ والترائب أي عظام صدره. وذلك الشيء الممتد بينهما هو الأبهر (الأورطي) وهو أكبر شريان في الجسم يخرج من القلب خلف الترائب ويمتد إلى آخر الصلب تقريبا. ومنه تخرج عدة شرايين عظيمة. ومنها شريانان طويلان يخرجان منه بعد شرياني الكليتين ، وينزلان إلى أسفل البطن حتى يصلا إلى الخصيتين ، فيغذيانهما. ومن دمهما يتكون المنيّ في الخصيتين يسميان شرياني الخصيتين ، أو الشريانين المنويين فلذا قال تعالى عن المني (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) لأنه يخرج من مكان بينهما وهو الأورطي أو الأبهر. وهذه الآية على هذا التفسير ، تعتبر من معجزات القرآن العلمية وهذا القول أوجه وأدق من التفسير الأول. انتهى.
وقوله تعالى : (إِنَّهُ) أي الحافظ سبحانه ، المتقدم في قوله : (لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) أو الخالق المفهوم من خلق (عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) أي رجع الإنسان وإعادته في