العرب. غير أن الفرّاء كان يرى أنها لغة في هذيل. يجعلون (إلا) مع (إن) المخففة لمّا. فإن كان صحيحا ما ذكر الفراء فالقراءة بها جائزة صحيحة. وإن كان الاختيار مع ذلك قراءة التخفيف. لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب. ولا ينبغي أن يترك الأعرف إلى الأنكر. انتهى.
وقد صحح غير واحد ثبوتها. وبها قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة. واستشهد ابن هشام لها في (المغني) فراجعه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) (١٠)
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) جواب لمقدر. والفاء فصيحة أي :
إن ارتاب مرتاب في كل نفس من الأنفس عليها رقيب ، فلينظر إلخ.
قال الإمام : قوله : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ) بمنزلة الدليل على الدعوى المقسم عليها ، زيادة في التأكيد. ووجه ذلك أن الماء الدافق من المائع الذي لا تصوير فيه ولا تقدير للآلات التي يظهر فيها عمل الحياة كالأعضاء ونحوها. ثم إن هذا السائل ينشأ خلقا كاملا كالإنسان ، مملوءا بالحياة والعقل والإدراك ، قادرا على القيام بخلافته في الأرض. فهذا التصوير والتقدير وإنشاء الأعضاء والآلات البدنية ، وإيداع كل عضو من القوة ما به يتمكن من تأدية عمله في البدن ، ثم منح قوة الإدراك والعقل ، كل هذا لا يمكن أن يكون بدون حافظ يراقب ذلك كله ويدبره ، وهو الله جل شأنه. ويجوز أن يكون قوله : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) من قبيل التفريع على ما ثبت في القضية الأولى. كأنه يقول : فإذا عرفت أن كل نفس عليها رقيب ، فمن الواجب على الإنسان أن لا يهمل نفسه ، وأن يتفكر في خلقه. وكيف كان ابتداء نشئه ليصل بذلك إلى أن الذي أنشأه أول مرة ، قادر على أن يعيده. فيأخذ نفسه بصالح الأعمال والأخلاق. ويعدل بها عن سبل الشر. فإن عين الرقيب لا تغفل عنها في حال من الأحوال. انتهى.
و (دافِقٍ) من الدفق. وهو صبّ فيه دفع. وقد قيل إنه بمعنى مدفوق ، وإن اسم الفاعل بمعنى المفعول. كما أن المفعول يكون بمعنى الفاعل ك (حِجاباً مَسْتُوراً) [الإسراء : ٤٥].