بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (٤)
(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ) أي المضيء كأنه يثقب ظلمة الليل وينفذ فيه ، فيبصر بنوره ويهتدي به. وسمي طارقا لأنه يطرق ليلا أي يبدو فيه.
قال الشهاب : الطارق من (الطرق) وأصل معناه الضرب بوقع وشدة يسمع لها صوت. ومنه المطرقة والطريق ، لأن السابلة تطرقها. ثم صار في عرف اللغة اسما لسالك الطريق ، لتصور أنه يطرقها بقدمه. واشتهر فيه حتى صار حقيقة. وتسمية الآتي ليلا (طارقا) لأنه في الأكثر يجد الأبواب مغلقة فيطرقها.
والتعريف في (النَّجْمُ) للجنس. وأصل معنى (الثقب) الخرق. فالثاقب الخارق. ثم صار بمعنى المضيء ، لتصور أنه ثقب الظلام أو الفلك. وفي إبهامه ثم تفسيره ، تفخيم لشأنه وتنبيه على الاعتبار والاستدلال به.
(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) أي مهيمن عليها رقيب. وهو الله تعالى ، كما في آية : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) [الأحزاب : ٥٢] ، فيحصي عليها ما تكسب من خير أو شر ، وقد قرئ (لمّا) بالتخفيف ف (إن) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن و (كُلُّ نَفْسٍ) مبتدأ و (عَلَيْها حافِظٌ) خبره. و (ما) صلة واللام هي الفارقة. وقرئ (لما) بالتشديد على أنها بمعنى (إلّا) الاستثنائية و (إن) نافية والخبر محذوف. أي ما كل نفس كائنة في حال من الأحوال ، إلا في حال أن يكون عليها حافظ ورقيب و (كل) على هذا مؤكدة لأن (نَفْسٍ) حينئذ نكرة في سياق النفي ، فتعم.
قال ابن جرير : والقراءة التي لا أختار غيرها في ذلك ، التخفيف. لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب ، وقد أنكر التشديد جماعة من أهل المعرفة بكلام