بذلك آدم وولده وقيل : إبراهيم وولده. والصواب ـ كما قال ابن جرير ـ أن المعني به كل والد وما ولد. قال : وغير جائز أن يخص ذلك إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل. ولا خبر بخصوص ذلك ولا برهان ، يجب التسليم له بخصوصه. فهو على عمومه كما عمه.
وإيثار (ما) على (من) لإرادة الوصف. فيفيد التعظيم في مقام المدح. وإنه مما لا يكتنه كنهه لشدة إبهامها. ولذا أفادت التعجب أو التعجيب ، وإن لم يكن استفهاما كما في قوله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) [آل عمران : ٣٦] أي أيّ مولود عظيم الشأن وضعته. وهذا على كون المراد إبراهيم والنبيّ عليهما الصلاة والسلام ، ظاهر. أما على أن المراد به آدم وذريته ، فالتعجب من كثرتهم ، أو مما خص به الإنسان من خواص البشر. كالنطق والعقل وحسن الصورة. حكاه الشهاب.
القول في تأويل قوله تعالى :
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) (٧)
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) أي في شدة ، يكابد الأمور يعالجها في أطواره كلها ، من حمله إلى أن يستقر به القرار. إما في الجنة وإما في النار.
قال الزمخشري : (الكبد) أصله من قولك (كبد الرجل كبدا) فهو أكبد ، إذا وجعت كبده وانتفخت. فاتسع فيه حتى استعمل في كل تعب ومشقة ، ومنه اشتقت المكابدة. كما قيل : (كبته) بمعنى أهلكه. وأصله كبده إذا أصاب كبده. قال لبيد :
يا عين هلّا بكيت أربد إذ |
|
قمنا وقام الخصوم في كبد |
أي في شدة الأمر وصعوبة الخطب. انتهى.
وفيه تسلية للنبيّ صلوات الله عليه ، مما كان يكابده من قريش ، من جهة أن الإنسان لم يخلق للراحة في الدنيا. وأن كل من كان أعظم فهو أشد نصبا. هذا خلاصة ما قالوه.
وقال القاشاني : (في كبد) أي مكابدة ومشقة من نفسه وهواه. أو مرض باطن وفساد قلب وغلظ حجاب. إذ (الكبد) في اللغة غلظ الكبد الذي هو مبدأ القوة الطبيعية وفساده وحجاب القلب وفساده من هذه القوة. فاستعير غلظ الكبد لغلظ حجاب القلب ومرض الجهل.
(أَيَحْسَبُ) أي لغلظ حجابه ومرض قلبه لاحتجابه بالطبيعة (أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ