وهو (اقتحم) أو على (فك) (وَتَواصَوْا) أي أوصى بعضهم بعضا (بِالصَّبْرِ) أي على ما نابهم في سبيل الدعوة إلى الحق (وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) أي بالرحمة على بعضهم. كقوله : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح : ٢٩] ، أو بموجبات رحمته تعالى من القيام بالحق والصدع به وعمل الصالحات (أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) أي اليمين ، أو جهة اليمين التي فيها السعداء.
تنبيه :
قال القاشاني : يشير قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) الآيات ، إلى قهر النفس بتكلف الفضائل والتزام سلوك طريقها واكتسابها ، حتى يصير التطبع طبعا. ثم قال : فإن الإطعام ، خصوصا وقت شدة الاحتياج للمستحق ، الذي هو وضع في موضعه ، من باب فضيلة العفة بل أفضل أنواعها ـ والإيمان من فضيلة الحكمة وأشرف أنواعها وأجلها ، وهو الإيمان العلمي اليقيني ـ والصبر على الشدائد من أعظم أنواع الشجاعة ـ وأخّره عن الإيمان لامتناع حصول فضيلة الشجاعة بدون اليقين. و (المرحمة) أي التراحم والتعاطف من أفضل أنواع العدالة. فانظر كيف عدّد أجناس الفضائل الأربع التي يحصل بها كمال النفس. بدأ بالعفة التي هي أولى الفضائل. وعبر عنها بمعظم أنواعها. وأخص خصالها الذي هو السخاء. ثم أورد الإيمان الذي هو الأصل والأساس. وجاء بلفظة (ثم) لبعد مرتبته عن الأولى في الارتفاع والعلوّ. وعبر عن الحكمة به لكونه أمّ سائر مراتبها وأنواعها.
ثم رتب عليه الصبر لامتناعه بدون اليقين. وأخر العدالة التي هي نهايتها. واستغنى بذكر المرحمة ، التي هي صفة الرحمن ، عن سائر أنواعها. كما استغنى بذكر الصبر عن سائر أنواع الشجاعة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ) (٢٠)
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا) أي بأدلتنا وأعلامنا من الكتب والرسل وغير ذلك من آيات الأنفس والآفاق ، التي بكل يرتقي إلى معرفة الصراط التي تجب الاستقامة عليه في الاعتقاد والعمل (هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) أي الشؤم على أنفسهم ، أو جهة الشمال التي فيها الأشقياء. وقال الإمام : أهل اليمين ، في لسان الدين الإسلامى ، عنوان السعداء. وأهل الشمال عنوان الأشقياء (عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ) أي مطبقة أبوابها ، كناية عن حبسهم المخلد فيها ، وسد سبل الخلاص منها ، أجارنا الله بفضله وكرمه منها.