بِالْحُسْنى) أي بالمثوبة الحسنى. قال قتادة : أي صدق بموعود الله الحسن. وهو بمعنى قول مجاهد ، إنها الجنة كما قال تعالى : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) [الشورى : ٢٣] ، فسمى مضاعفة الأجر (حسنى) وقال القاشاني : أي صدق بالفضيلة الحسنى التي هي مرتبة الكمال بالإيمان العلميّ ، إذ لو لم يتيقن بوجود كمال كامل لم يمكنه الترقي. (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) أي فسنهيئه ونوفقه للطريقة اليسرى ، التي هي السلوك في طريق الحق ، لقوة يقينه.
قال الشهاب : ولما كانت مؤدية إلى اليسر ، وهو الأمر السهل الذي يستريح به الناس وصفت بأنها يسرى ، على أنه استعارة مصرحة أو مجاز مرسل أو تجوّز في الإسناد.
(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) أي بالنفقة في سبيل الله ، ومنع ما وهب الله له من فضله من صرفه في الوجوه التي أمر الله بصرفه فيها (وَاسْتَغْنى) أي عن ربه فلم يرغب إليه بالعمل له بطاعته بالزيادة فيما خوّله ، أو استغنى بماله عن كسب الفضيلة ، وعمه به عن الحق (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) أي بوجود المثوبة للحسنى ، لمن آمن بالحق ، لاستغنائه بالحياة الدنيا واحتجابه بها عن عالم الآخرة. (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) أي للطريقة العسرى المؤدية إلى الشقاء الأبديّ.
قال الإمام : الخطة العسرى هي الخطة التي يحط فيها الإنسان من نفسه ، ويغض من حقها وينزل بها إلى حضيض البهيمية ، ويغمسها في أو حال الخطيئة. وهي أعسر الخطتين على الإنسان ، لأنه لا يجد معينا عليها ؛ لا من فطرته ولا من الناس (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) أي وما يفيده ماله الذي تعب في تحصيله ، وأفنى عمره في حفظه وبطر الحق لأجله ، إذا هلك ، من قولهم : (تردى من الجبل وفي الهوة) وفي التعبير به إشارة إلى أنه بما قدمه من أعماله الخبيثة ، هو المهلك والموقع لنفسه. وهو الحافر على حتفه بظلفه و (ما) نافية أو استفهام في معنى الإنكار. وقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى) (٢١)
(إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) استئناف مقرر لما قبله. أي علينا بموجب قضائنا المبنيّ على الحكم البالغة ، حيث خلقنا الخلق للإصلاح في الأرض ، أن نبين لهم طريق