بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى :
(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (١)
(ق) هو حرف من حروف التهجي المفتتح بها أوائل السور ، مثل : ص ، ون ، والم ، وحم ، ونحوها. علم على السورة ، على الصحيح من أقوال ، كما تقدم مرارا.
تنبيه :
قال ابن كثير : روي عن بعض السلف أنهم قالوا : (ق) جبل محيط بجميع الأرض يقال له (جبل قاف). وكأن هذا ـ والله أعلم ـ من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس ، لما رأى من جواز الرواية عنهم ، مما لا يصدّق ولا يكذب. وعندي أن هذا وأمثاله من اختلاق بعض زنادقتهم ، يلبسون به على الناس أمر دينهم ، كما افتري في هذه الأمة ، مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها ، أحاديث عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وما بالعهد من قدم. فكيف بأمة بني إسرائيل ، مع طول المدى ، وقلة الحفّاظ والنقاد فيهم ، وشربهم الخمور ، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه ، وتبديل كتب الله وآياته؟ وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله : (١) (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) فيما قد يجوّزه العقل. فأما فيما تحيله العقول ، ويحكم فيه البطلان ، ويغلب على الظنون كذبه ، فليس من هذا القبيل.
وقد أكثر كثير من السلف المفسرين ، وكذا طائفة كثيرة من الخلف ، من الحكاية عن كتب أهل الكتاب ، تفسير القرآن المجيد ، وليس بهم احتياج إلى أخبارهم ، ولله الحمد والمنة.
ثم ردّ ابن كثير ، رحمهالله ، ما قيل من أن المراد من (ق) قضي الأمر والله! كقول الشاعر :
قلت لها قفي فقالت قاف
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الأنبياء ، ٥٠ ـ باب ما ذكر عن بني إسرائيل ، حديث رقم ١٦٢٤ ، عن ابن عمرو.