بالشام وطور سيناء ، وهما مشهوران بها. فهذه الآية قسم بأول مهابط الوحي ، وأكرم أماكن التجلي الإلهي على أنبيائه الأربعة ، الذين بقيت شرائعهم للآن. وأرسلهم الله لهداية الناس الذين خلقهم في أحسن تقويم. انتهى بحروفه. والله أعلم.
لطيفة :
لم ينصرف (سينين) كما لا ينصرف (سيناء) لأنه جعل اسما للبقعة أو الأرض. فهو علم أعجميّ. ولو جعل اسما للمكان أو المنزل أو اسما لمذكر لانصرف ، لأنك سميت به مذكرا. وقرأ العامة (سينين) بكسر السين. وقرأ بعض السلف بفتحها. وآخرون (سيناء) بالكسر والفتح ممدودا. قال السمين : وهذه لغات اختلفت في هذا الاسم السريانيّ ، على عادة العرب في تلاعبها بالأسماء الأعجمية. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (٨)
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) أي في أحسن تعديل خلقا ، وشكلا ، صورة ومعنى قال الشهاب : الظرف في موضع الحال من الإنسان. والتقويم فعل الله ، فهو بمعنى القوام أو المقوم ، أو فيه مضاف مقدر ، أي قوام أحسن تقويم ، أو (في) زائدة والتقدير : قومناه أحسن تقويم.
(ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) أي جعلناه أسفل من سفل ، وهم أصحاب النار لعدم جريانه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات التي لو عمل بمقتضاها لكان في أعلى عليين ، ف (رد) بمعنى جعل التي تنصب مفعولين. قال الشهاب : و (السافلين) العصاة وغيرهم ، وأسفل سافل للمتعدد المتفاوت. و (ثم) للتراخي الزماني أو هو رتبي ، وجوز نصب (أَسْفَلَ) بنزع الخافض صفة لمحذوف. أي إلى مكان أسفل سافلين. أي محل النار. أو النار بمعنى جهنم. وهذا ما قاله مجاهد حيث قال : (في النار) وفي رواية (إلى النار) والسافلين ، على هذا ، الأمكنة السافلة وهي دركاتها. وجمعها للعقلاء للفاصلة ، أو للتنزيل منزلة العقلاء. كذا قالوا. ولو أريد بهم أهل النار والدركات ، لأنهم أسفل السفل كالأول ، لكان أولى.
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي غير مقطوع أو غير