منقوص أو غير محسوب أو غير ممنون به عليهم. والاستثناء متصل من ضمير (رددناه) فإنه في معنى الجمع ؛ لأن المكنيّ عنه وهو الإنسان ، في معنى الجنس.
هذا ، وقد اعتمد ابن جرير في تأويل الآية ، ما روي عن ابن عباس من أن المعنى (ثم رددناه إلى أرذل العمر. وأن من كان يعمل بطاعة الله في شبيبته كلها ، ثم كبر حتى ذهب عقله ، كتب له مثل عمله الصالح الذي كان يعمل في شبيبته ، ولم يؤاخذ بشيء مما عمل في كبره وذهاب عقله ، من أجل أنه مؤمن وكان يطيع الله في شبيبته).
وعبارة ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة ، وأشبهها بتأويل الآية ، قول من قال معناه : ثم رددناه أي إلى أرذل العمر إلى عمر الخرفى الذين ذهبت عقولهم من الهرم والكبر ، فهو في أسفل من سفل في إدبار العمر ، وذهاب العقل. (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) في حال صحتهم وشبابهم (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) بعد هرمهم ، كهيئة ما كان لهم من ذلك على أعمالهم ، في حال ما كانوا يعملون وهم أقوياء على العمل.
قال : وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب في ذلك ، لأن الله تعالى ذكره أخبر عن خلقه ابن آدم وتصريفه في الأحوال ، احتجاجا بذلك على منكري قدرته على البعث بعد الموت. ألا نرى أنه يقول : (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) يعني بعد هذه الحجج. ومحال أن يحتج على قوم كانوا منكرين معنى من المعاني بما كانوا له منكرين. وإنما الحجة على كل قوم بما لا يقدرون على دفعه مما يعاينونه ويحسونه ، أو يقرون به وإن لم يكونوا له محسين. وإذ كان ذلك كذلك ، وكان القوم ، للنار التي كان الله يتوعدهم بها في الآخرة منكرين ، وكانوا أهل الهرم والخرف من بعد الشباب والجلد شاهدين ، علم أنه إنما احتج عليهم بما كانوا له معاينين من تصريفه خلقه ونقله إياهم من حال التقويم الحسن ، والشباب والجلد إلى الهرم والضعف وفناء العمر وحدوث الخرف. انتهى كلامه.
وعليه فيكون الاستثناء منقطعا ، استدراكا للدفع ما يتوهم من أن التساوي في أرذل العمر يقتضي التساوي في غيره ، ويكون (الدين) حينئذ مبتدأ ، والفاء داخلة في خبره. وأما على الوجه الأول ، فالفاء للتفريع ، ومدخولها جملة مترتبة عليه ، ومؤكدة له. وقوله تعالى : (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) خطاب للإنسان على طريق الالتفات ، لتشديد التوبيخ والتبكيت ، أي فما يحملك على التكذيب بالدين ، أي