الجزاء بعد البعث ، وإنكاره بعد هذه الدلائل. والمعنى : إن خلق الإنسان من نطفة وتقويمه بشرا سويا ، وتحويله من حال إلى حال ، كمالا ونقصانا ، من أوضح الدلائل على قدرة الله عزوجل على البعث ، والجزاء فأي شيء تضطرك إلى التكذيب به؟ وجوز أن يكون الخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ومعنى (يُكَذِّبُكَ) إما ينسبك إلى الكذب (كفسقته إذا قلت له إنه فاسق) والباء في (بِالدِّينِ) بمعنى (في) أي يكذبك في إخبارك به. أو سببية أي بسبب إخبارك به وإثباته. أو المعنى ما يجعلك مكذبا بالدين. على أن الباء صلته. وهو من باب الإلهاب والتعريض بالمكذبين ، والمعنى إنه لا يكذبك شيء ما بعد هذا البيان بالدين. لا كهؤلاء الذين لا يبالون بآيات الله ولا يرفعون لها رأسا. والاستفهام للإنكار والتعجب.
واستصوب ابن جرير : قول من قال (ما) بمعنى (من) أي فمن يكذبك يا محمد بعد الذي جاءك من هذا البيان من الله بالدين.
قال الشهاب : (فما) استفهام عمن يعقل ، وفيه نظر ، لأنه خلاف المعروف ، فلا يرتكب مع صحة بقائها على أصلها ، كما بيناه لك. والداعي لارتكاب هذا ، أن المعنى عليه أظهر إذا كان المخاطب النبيّ صلىاللهعليهوسلم فإنه إنكار توبيخيّ للمكذبين له صلىاللهعليهوسلم بعد ما ظهر لهم من دلائل صدقه وصحة مدعاه (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) أي بأحكم من حكم في أحكامه. قال أبو السعود : أي أليس الذي فعل ما ذكر بأحكم الحاكمين صنعا وتدبيرا ، حتى يتوهم عدم الإعادة والجزاء ، وحيث استحال عدم كونه أحكم الحاكمين ، تعين الإعادة والجزاء. فالجملة تقريرا لما قبلها. وقيل : الحكم بمعنى القضاء ، فهي وعيد للكفار وأنه يحكم عليهم بما يستحقونه من العذاب و (أحكم) من الحكم أو الحكمة. قيل : والثاني أظهر. وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا قرأها قال : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين. أرسله قتادة ، ورفعه أبو هريرة إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم.