قال : كانت لهم رحلتان : الصيف إلى الشام والشتاء إلى اليمن في التجارة. إذا كان الشتاء امتنع الشام منهم لمكان البرد. وكانت رحلتهم في الشتاء إلى اليمن. وعن ابن عباس قال : كانوا يشتون بمكة ويصيّفون بالطائف. والأكثرون على الأول. واللام في قوله (لإيلاف) متعلق بقوله تعالى : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) أي فليعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين. ودخلت الفاء ، لما في الكلام من معنى الشرط. إذ المعنى ، أن نعم الله تعالى عليهم غير محصورة. فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة. والبيت هو الكعبة المشرفة (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) أي جوع شديد كانوا فيه قبل الرحلتين ف (من) تعليلية أي أنعم عليهم وأطعمهم لإزالة الجوع عنهم أو بدلية (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) أي مما يخاف منه من لم يكن من أهل الحرم من الغارات والحروب والقتال والأمور التي كانت العرب يخاف بعضها من بعض. قال ابن زيد : كانت العرب يغير بعضها على بعض ويسبي بعضها بعضا. فأمنوا من ذلك لمكان الحرم وقرأ (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) [القصص : ٥٧] ، ونظيره أيضا قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت : ٦٧].
تنبيه :
زعم بعض الناس أن اللام في (لإيلاف) متعلق بما قبله أي فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش. قال الشهاب : وعلى هذا لا بد من تأويله. والمعنى : أهلكهم ولم يسلط على أهل حرمه ليبقوا على ما كانوا عليه. أو أهلك من قصدهم ليعتبر الناس ولا يجترئ عليهم أحد ، فيتم لهم الأمن في الإقامة والسفر. أو هي لام العاقبة. انتهى.
ولا يخفى ما فيه من التكلف. ولذا قال ابن جرير في رده : وأما القول الذي قاله من حكينا قوله أنه من صلة قوله : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) فإن ذلك لو كان كذلك لوجب أن يكون (لإيلاف) بعض (ألم تر) وأن لا تكون سورة منفصلة من (ألم تر) وفي إجماع جميع المسلمين على أنهما سورتان تامتان ، كل واحدة منهما منفصلة عن الأخرى ، ما يبين عن فساد القول الذي قاله من قال ذلك. ولو كان قوله : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) من صلة قوله : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) لم تكن (أَلَمْ تَرَ) تامة حتى توصل بقوله : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) لأن الكلام لا يتم إلا بانقضاء الخبر الذي ذكر. انتهى.