قال أبو السعود : وإذا كان حال من ترك حث غيره على ما ذكر ، فما ظنك بحال من ترك ذلك مع القدرة؟.
قال الزمخشري : جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف. يعني أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد ، لخشي الله تعالى وعقابه ، ولم يقدم على ذلك. فحين أقدم عليه علم أنه مكذب ، فما أشده من كلام! وما أخوفه من مقام! وما أبلغه في التحذير من المعصية وإنها جديرة بأن يستدل بها على ضعف الإيمان ورخاوة عقد اليقين ، وقوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) قال ابن جرير : أي لاهون يتغافلون عنها وذلك باللهو عنها والتشاغل بغيرها. وتضييعها أحيانا وتضييع وقتها أخرى. وقال القاشاني : أي فويل لهم ، أي للموصوفين بهذه الصفات ، من دعّ اليتيم وعدم الحث على طعام المسكين. الذي إن صلّوا غفلوا عن صلاتهم لاحتجابهم عن حقيقتها بجهلهم وعدم حضورهم. و (المصلين) من باب وضع الظاهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بأن أشرف أفعالهم وصور حسناتهم سيئات وذنوب ، لعدم ما هي به معتبرة من الحضور والإخلاص ، وأورد على صيغة الجمع لأن المراد بالذي يكذب هو الجنس (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) أي يراءون الناس بصلاتهم إذا صلوا لأنهم لا يصلّون رغبة في ثواب ، ولا رهبة من عقاب. وإنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنوهم منهم فيكفوا عنهم. وأصل المراءاة أن ترى غيرك ويراك. أريد به العمل عند الناس ليثنوا عليهم. أوضحه الشهاب.
(وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) أي ما يعان به الخلق ويصرف في معونتهم من الأموال والأمتعة وكل ما ينتفع به ، لكون الجهل حاكما عليهم بالاستئثار بالمنافع وحرمانهم عن النظر التوحيدي وعدم اعتقادهم بالجزاء. فلا محبة لهم للحق للركون إلى العالم الفاني ، ولا عدالة في أنفسهم للاتصاف بالرذائل والبعد عن الفضائل ، فلا يعاونون أحدا فلن يفلحوا أبدا. قاله القاشاني
تنبيه :
المعني بهذه الآيات أولا وبالذات المنافقون في عهد النبوة. ويدخل فيها ثانيا وبالعرض ، كل من وجد فيهم تلك الخلال الذميمة اعتبارا بالعموم. فالسورة مدنية. ونظيرها في المنافقين قوله تعالى : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء : ١٤٢] ، ولذا قال ابن عباس فيما رواه ابن جرير : هم المنافقون ، كانوا يراءون الناس بصلاتهم إذا حضروا ، ويتركونها إذا غابوا ، ويمنعونهم العارية بغضا لهم ، وهو الماعون.