وقيل : الجملتان الأخيرتان لنفي العبادة حالا كما أن الأوليين لنفسها استقبالا قال أبو السعود : وإنما لم يقل (ما عبدت) ليوافق (ما عبدتم) لأنهم كانوا موسومين قبل البعثة بعبادة الأصنام وهو عليهالسلام لم يكن حينئذ موسوما بعبادة الله تعالى. وإيثار (ما) في (ما أَعْبُدُ) على (من) لأن المراد هو الوصف كأنه قيل : (ما أَعْبُدُ) من المعبود العظيم الشأن الذي لا يقادر قدر عظمته. وقيل : إن (ما) مصدرية. أي لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي. وقيل : الأوليان بمعنى (الذي) والأخريان مصدريتان. وقيل : قوله تعالى : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) تأكيد لقوله تعالى : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) وقوله تعالى : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) ثانيا تأكيدا لمثله المذكور أولا. انتهى.
ونقل ابن كثير عن الإمام ابن تيمية ؛ أن المراد بقوله : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) نفي الفعل ، لأنها جملة فعلية (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) نفي قبوله لذلك بالكلية ، لأن النفي بالجملة الاسمية آكد ، فكأنه نفى الفعل وكونه قابلا لذلك. ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضا وهو قول حسن.
واختار الإمام كون (ما) في الأوليين موصولة وفيما بعدهما مصدرية ، قال : فمفاد الجملتين الأوليين الاختلاف التام في المعبود. ومفاد الجملتين الأخريين تمام الاختلاف في العبادة. فلا معبودنا واحد ولا عبادتنا واحدة ، لأن معبودي ذلك الإله الواحد المنزه عن الند والشفيع ، المتعالي عن الظهور في شخص معين ، الباسط فضله لكل من أخلص له ، الآخذ قهره بناصية كل من نابذ المبلغين الصادقين عنه. والذي تعبدونه على خلاف ذلك. وعبادتي مخلصة لله وحده ، وعبادتكم مشوبة بالشرك مصحوبة بالغفلة عن الله تعالى ، فلا تسمى على الحقيقة عبادة. فأين هي من عبادتي؟ وقوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ) تقرير لقوله تعالى : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) وقوله تعالى : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) كما أن قوله تعالى : (وَلِيَ دِينِ) تقرير لقوله تعالى : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) والمعنى أن دينكم ، الذي هو الإشراك ، مقصور على الحصول لكم ، لا يتجاوزه إلى الحصول لي أيضا ، كما تطمعون فيه. فإن ذلك من المحالات. وأن ديني الذي هو التوحيد ، مقصور على الحصول لي ، لا يتجاوزه إلى الحصول لكم ، فلا مشاركة بينه وبين ما أنتم عليه.
تنبيه :
قال ابن كثير استدل الإمام الشافعيّ وغيره بهذه الآية الكريمة (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ