الثانية ـ تكرر المضاف إليه وهو (الناس) باللفظ الظاهر ، لمزيد الكشف والتقرير والتشريف بالإضافة. فإن الإظهار أنسب بالإيضاح المسوق له عطف البيان. وأدل على شرف الإنسان. وقيل : لا تكرار. لجواز أن يراد بالعام بعض أفراده. ف (الناس) الأول بمعنى الأجنة والأطفال المحتاجين للتربية. والثاني الكهول والشبان ، لأنهم المحتاجون لمن يسوسهم. والثالث الشيوخ لأنهم المتعبدون المتوجهون لله.
قال الشهاب : وفيه تأمّل.
الثالثة : في تعداد الصفات العليا هنا ، إشارة إلى عظم المستعاذ منه. وأن الآفة النفسانية أعظم من المضار البدنية ، حيث لم يكرر ذلك المستعاذ به في السورة قبل ، وكرره هنا إظهارا للاهتمام في هذه دون تلك. نقله الشهاب.
الرابعة : قال ابن تيمية : الوسواس من جنس الحديث والكلام. ولهذا قال المفسرون في قوله : (ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) قالوا : ما تحدث به نفسه. وقد قال صلىاللهعليهوسلم (١) : إن الله تجاوز لأمتي ما تحدّث به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به. وهو نوعان : خبر وإنشاء فالخبر إما عن ماض وإما عن مستقبل. فالماضي يذكره والمستقبل يحدثه ، بأن يفعل هو أمورا ، أو أن أمورا ستكون بقدر الله أو فعل غيره. فهذه الأمانيّ والمواعيد الكاذبة. والإنشاء أمر ونهي وإباحة.
الخامسة ـ قال ابن تيمية : الفرق بين الإلهام المحمود وبين الوسوسة المذمومة هو الكتاب والسنة. فإن كان مما ألقى في النفس مما دل الكتاب والسنة على أنه تقوى لله ، فهو من الإلهام المحمود. وإن كان مما دلّ على أنه فجور ، فهو من الوسواس المذموم. وهذا الفرق مطرد لا ينقض.
وقد ذكر أبو حازم في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان ، فقال : ما كرهته نفسك لنفسك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه. وما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك فانهها عنه.
السادسة ـ قال الإمام الغزالي في (الإحياء) في بيان تفصيل ما ينبغي أن يحضر
__________________
(١) أخرجه البخاري في : العتق ، ٦ ـ باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه ، حديث رقم ١٢٤٢ ، عن أبي هريرة.