حينئذ (ذلِكَ) إشارة إلى محل النزاع (رَجْعٌ بَعِيدٌ) أي : عن الأوهام أو العادة أو الإمكان.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) (٤)
(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) أي : ما تأكل من أجسامهم بعد مماتهم. وهو ردّ لاستبعادهم ، وإزاحة له. فإن من عمّ علمه ولطف حتى انتهى إلى حيث علم ما تنقص الأرض من أجساد الموتى. وتأكل من لحومهم وعظامهم ، كيف يستبعد رجعه إياهم أحياء كما كانوا. وقيل : المعنى ما يموت فيدفن في الأرض منهم. (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) قال أبو السعود : أي حافظ لتفاصيل الأشياء كلها ، أو محفوظ من التغير. والمراد : إما تمثيل علمه تعالى بكليات الأشياء وجزئياتها ، بعلم من عنده كتاب محيط ، يتلقى منه كل شيء. أو تأكيد لعلمه تعالى بها ، بثبوتها في اللوح المحفوظ عنده.
القول في تأويل قوله تعالى :
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) (٥)
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ) وهو القرآن ، (لَمَّا جاءَهُمْ) أي من غير تأمّل وتفكّر.
قال الزمخشري : إضراب أتبع الإضراب الأول ، للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم ، وهو التكذيب بالحق ، الذي هو النبوّة الثابتة بالمعجزات ، في أول وهلة من غير تفكّر ولا تدبّر. وكونه أفظع ، للتصريح بالتكذيب من غير تدبر بعد التعجب منه. (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) أي مضطرب. يعني. اختلاف مقالتهم فيه ، من ادعاء أنه شعر أو سحر ونحوه ، تعنتا وكبرا.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) (٦)
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا) أي هؤلاء المكذّبون بالبعث ، المنكرون قدرتنا على إحيائهم بعد فنائهم ، (إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها) أي رفعناها بغير عمد ، (وَزَيَّنَّاها) أي بالنجوم ، (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ). قال ابن جرير : يعني وما لها من صدوع وفتوق. كقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ، ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ ،