وفي تفسير النعم الظاهرة والباطنة أقوال أخرى ، نرى أن ما ذكرناه أوجهها وأجمعها (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما عليه بعض الناس من جدال بالباطل فقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَلا هُدىً ، وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ).
وقوله : (يُجادِلُ) من الجدال بمعنى المفاوضة على سبيل المخاصمة والمنازعة والمغالبة. مأخوذ من جدلت الحبل ، إذا أحكمت فتله ، فكأن المتجادلين يحاول كل واحد منهما أن يقوى رأيه ، ويضعف رأى صاحبه.
والمراد من المجادلة في الله : المجادلة في ذاته وصفاته وتشريعاته ..
وقوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) حال من الفاعل في (يُجادِلُ) ، وهي حال موضحة لما تشعر به المجادلة هنا من الجهل والعناد. أى : ومن الناس قوم استولى عليهم الجهل والعناد ، لأنهم يجادلون وينازعون في ذات الله ، وفي صفاته ، وفي وحيه ، وفي تشريعاته .. بغير مستند من علم عقلي أو نقلي ، وبغير «هدى» يهديه ويرشده إلى الحق ، وبغير (كِتابٍ مُنِيرٍ) أى : وبغير وحى ينير عقله وقلبه ، ويوضح له سبيل الرشاد.
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد جردت هذا المجادل ، من أى مستند يستند إليه في جداله ، سواء أكان هذا المستند عقليا أم نقليا ، بل أثبتت له الجهالة من كل الجهات.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن هؤلاء المجادلين بالباطل ، لم يكتفوا بذلك ، بل أضافوا إلى رذائلهم السابقة رذائل أخرى منها العناد والتقليد الأعمى ، فقال (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) ... أى : وإذا قيل لهؤلاء المجادلين بالباطل اتبعوا ما أنزله الله ـ تعالى ـ على نبيه صلىاللهعليهوسلم من قرآن كريم ، ومن وحى حكيم.
(قالُوا) على سبيل العناد والتقليد الأعمى (بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) من عبادة الأصنام والأوثان ، والسير على طريقتهم التي كانوا يسيرون عليها.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) رد عليهم ، وبيان لبطلان الاعتماد في العقيدة على مجرد تقليد الآباء.
والهمزة للاستفهام الإنكارى ، والواو للحال. أى : أيتبعون ما كان عليه آباؤهم ، والحال أن هذا الاتباع هو من وحى الشيطان الذي يقودهم إلى ما يؤدى إلى عذاب السعير.
قال الآلوسى : وفي الآية دليل على المنع من التقليد لمن قدر على النظر. وأما اتباع الغير
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢١ ص ٩٣.