ثبت أمره ، واستقام على الطريقة المثلى ، وأمسك من الدين بأقوى سبب ، وأحكم رباط.
فقد شبه ـ سبحانه ـ المتوكل عليه في جميع أموره ، المحسن في أفعاله ، بمن ترقى في حبل شاهق ، وتدلى منه ، فاستمسك بأوثق عروة ، من حبل متين مأمون انقطاعه.
وخص ـ سبحانه ـ الوجه بالذكر ، لأنه أكرم الأعضاء وأعظمها حرمة ، فإذا خضع الوجه الذي هو أكرم الأعضاء ، فغيره أكثر خضوعا.
وقوله : (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أى : وإلى الله ـ تعالى ـ وحده تصير الأمور ، وترجع إليه ، وتخضع لحكمه وإرادته.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ.) .. تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم ، عما أصابه من حزن بسبب إصرار الكافرين على كفرهم.
أى : ومن استمر ـ أيها الرسول ـ على كفره بعد أن بلغته رسالتنا ودعوتنا ، فلا يحزنك بعد ذلك بقاؤه على كفره وضلاله ، فأنت عليك البلاغ ، ونحن علينا الحساب ، وإنك لا تهدى من أحببت ، ولكن الله يهدى من يشاء.
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ، فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا.) .. بيان لسوء مصيرهم.
أى : إلينا وحدنا مرجع هؤلاء الكافرين ، فنخبرهم بما عملوه في الدنيا من أعمال سيئة ، ونجازيهم عليها بما يستحقونه من عقاب.
(إِنَّ اللهَ) ـ تعالى ـ (عَلِيمٌ) علما تاما (بِذاتِ الصُّدُورِ) أى : بمكنونات الصدور وخفاياها ..
(نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً) في هذه الحياة الدنيا. أى نمتعهم تمتيعا قليلا في دنياهم ، بأن نعطيهم الأموال والأولاد على سبيل الاستدراج.
(ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) أى نعطيهم في حياتهم القصيرة ما يتمتعون به من مال وصحة ... ثم نلجئهم وندفعهم دفعا يوم القيامة الى عذاب مروع فظيع ، لضخامة ثقله ، وشدة وقعه.
والمراد بالاضطرار : الإلجاء والقسر والإلزام ، أى : أنهم لا يستطيعون التفلت أو الانفكاك عن هذا العذاب الذي أعد لهم.
ووصف ـ سبحانه ـ العذاب بالغلظ ، لزيادة تهويله وشدته. فهو ثقيل عليهم ثقل الأجرام الضخمة التي تهوى على رأس الإنسان ، فتشل حركته وتهلكه.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان عليه هؤلاء الكافرون من تناقض بين أقوالهم وأفعالهم فقال :