تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان لكل شيء؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «إنها في علم الله قليل ، وعندكم من ذلك ما يكفيكم» وأنزل الله فيما سألوه عنه من ذلك : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) (١).
و «لو» شرطية ، وجوابها «ما نفدت كلمات الله ..» و «من» في قوله (مِنْ شَجَرَةٍ) للبيان ، وفي الآية الكريمة كلام محذوف يدل عليه السياق.
والمعنى : ولو أن ما في الأرض من أشجار تحولت بغصونها وفروعها إلى أقلام ، ولو أن البحر ـ أيضا ـ تحول إلى مداد لتلك الأقلام ، وأمد هذا البحر بسبعة أبحر أخرى. وكتبت بتلك الأقلام ، وبذلك المداد كلمات الله التي يحيط بها علمه ـ تعالى ـ ..
لنفدت الأقلام ، ولنفد ماء البحر ، لتناهى كل ذلك ، وما نفدت كلمات الله ـ تعالى ـ ولا معلوماته ، لعدم تناهيها.
(إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يعجزه شيء ، ولا يغلبه غالب (حَكِيمٌ) في كل أقواله وأفعاله.
فالآية الكريمة المقصود منها بيان أن علم الله ـ تعالى ـ لا نهاية له ، وأن مشيئته لا يقف أمامها شيء ، وكلماته لا أول لها ولا آخر.
وقال ـ سبحانه ـ (مِنْ شَجَرَةٍ) بالإفراد ، لأن المراد تفصيل الشجر واستقصاؤه شجرة فشجرة ، حتى لا تبقى واحدة من أنواع الأشجار إلا وتحولت إلى أقلام.
وجمع ـ سبحانه ـ الأقلام ، للتكثير ، أى : أقلام كثيرة يصعب عدها.
والمراد بالبحر : البحر المحيط بالأرض ، لأنه المتبادر من التعريف ، إذ هو الفرد الكامل.
وإنما ذكرت السبعة بعد ذلك على وجه المبالغة دون إرادة الحصر ، وإلا فلو اجتمعت عشرات البحار ما نفدت كلمات الله.
قال صاحب الكشاف فإن قلت : مقتضى الكلام أن يقال : ولو أن الشجر أقلام ، والبحر مداد؟ قلت : أغنى عن ذكر المداد قوله (يَمُدُّهُ) لأنه من قولك : مد الدواة وأمدها. جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة ، وجعل الأبحر السبعة مملوءة مدادا ، فهي تصب فيه مدادها أبدا صبا لا ينقطع.
فإن قلت : الكلمات جمع قلة ، والموضع موضع التكثير لا التقليل ، فهلا قيل : كلم الله؟.
قلت : معناه أن كلماته لا تفي بكتابتها البحار فكيف بكلمة؟ (٢).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٥٢.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٠١.