الثاني : أن المراد بجميعها يوم القيامة ، وأن الاختلاف باعتبار حال المؤمن والكافر ويدل لهذا الوجه قوله ـ تعالى ـ : (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ، عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) (١).
أى : أن يوم القيامة يتفاوت طوله بحسب اختلاف الشدة ، فهو يعادل في حالة ألف سنة من سنى الدنيا ، ويعادل في حالة أخرى خمسين ألف سنة.
واسم الإشارة في قوله (ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) يعود إلى الله ـ تعالى ـ ، وهو مبتدأ ، وما بعده أخبار له ـ عزوجل ـ.
أى : ذلك الذي اتصف بتلك الصفات الجليلة ، وفعل تلك الأفعال المتقنة الحكيمة ، هو الله ـ تعالى ـ ، (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أى : عالم كل ما غاب عن الحس ، وكل ما هو مشاهد له ، لا يخفى عليه شيء مما ظهر أو بطن (الْعَزِيزُ) الذي لا يغلبه غالب (الرَّحِيمُ) بعباده.
(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) أى : الذي أحكم وأتقن كل شيء خلقه وأوجده في هذا الكون ، لأنه ـ سبحانه ـ أوجده على النحو الذي تقتضيه حكمته ، وتستدعيه مصلحة عباده.
قال الشوكانى : وقرأ الجمهور (خَلَقَهُ) ـ بفتح اللام ـ على أنه فعل ماض صفة لشيء ، فهو في محل جر. أو صفة للمضاف فيكون في محل نصب.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ابن عامر : (خَلَقَهُ) ـ بسكون اللام ـ وفي نصبه أوجه : الأول : أن يكون بدلا من (كُلَّ شَيْءٍ) بدل اشتمال ، والضمير عائد على كل شيء ، وهذا هو المشهور ... (٢).
والمراد بالإنسان في قوله ـ تعالى ـ : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) آدم ـ عليهالسلام ـ ، أى وبدأ خلق أبيكم آدم من طين ، فصار على أحسن صورة ، وأبدع شكل (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) أى : ذريته ، وسميت بذلك لأنها تنسل وتنفصل منه.
(مِنْ سُلالَةٍ) أى : من خلاصة ، وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية.
(مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) أى : ممتهن لا يهتم بشأنه ، ولا يعتنى به ، والمقصود به : المنى الذي يخرج من الرجل.
__________________
(١) تفسير أضواء البيان ج ٦ ص ٥٠٣ للشيخ الأمين الشنقيطى.
(٢) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٦ ص ٢٤٩.