أى : (إِنَّما يُؤْمِنُ) ويصدق (بِآياتِنَا) الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا ، أصحاب النفوس النقية الصافية ، الذين إذ ذكروا بها ، أى : بهذه الآيات.
(خَرُّوا سُجَّداً) لله ـ تعالى ـ من غير تردد (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أى : ونزهوه عن كل ما لا يليق به ـ عزوجل ـ (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن طاعته ـ سبحانه ـ ، وعن الانقياد لأمره ونهيه.
ثم صور ـ سبحانه ـ أحوالهم في عبادتهم وتقربهم إلى الله ، تصويرا بديعا فقال : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً).
والتجافي : التحرك إلى جهة أعلى. وأصله من جفا فلان السرج عن فرسه ، إذا رفعه. ويقال تجافى فلان عن مكانه ، إذا انتقل عنه.
والجنوب : جمع جنب. وأصله الجارحة ، والمراد به الشخص.
والمضاجع : جمع مضجع ، وهو مكان الاتكاء للنوم.
والمعنى : أن هؤلاء المؤمنين الصادقين ، تتنحى وترتفع أجسامهم ، عن أماكن نومهم ، وراحتهم ، حالة كونهم يدعون ربهم بإخلاص وإنابة (خَوْفاً) من سخطه عليهم ، (وَطَمَعاً) في رضاه عنهم.
(وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) من فضلنا وخيرنا (يُنْفِقُونَ) في وجوه البر والخير.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ.) .. بيان للعطاء الجزيل ، والثواب العظيم. أى : فلا تعلم نفس من النفوس سواء أكانت لملك مقرب ، أم لنبي مرسل ، ما أخفاه الله ـ تعالى ـ لهؤلاء المؤمنين المتهجدين بالليل والناس نيام ، من ثواب تقر به أعينهم ، وتسعد به قلوبهم ، وتبتهج له نفوسهم ..
وهذا العطاء الجزيل إنما هو بسبب أعمالهم الصالحة في الدنيا.
وهكذا نرى في هذه الآيات الكريمة صورة مشرقة لعباد الله الصالحين ، وللثواب الذي لا تحيط به عبارة ، والذي أكرمهم الله ـ تعالى ـ به.
وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات ، عددا من الأحاديث الواردة في فضل قيام الليل ، منها ما رواه الإمام أحمد عن معاذ بن جبل ـ رضى الله عنه ـ قال : كنت مع النبي صلىاللهعليهوسلم في سفر ، فأصبحت يوما قريبا منه. ونحن نسير ، فقلت : يا نبي الله ، أخبرنى بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني من النار. فقال : «لقد سألت عن عظيم ، وأنه ليسير