والاستفهام في قوله : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً) .. للإنكار ، والفسوق : الخروج عن طاعة الله.
أى : أفمن كان في هذه الدنيا مؤمنا بالله حق الإيمان ، كمن كان فيها فاسقا وخارجا عن طاعة الله ـ تعالى ـ وعن دينه الذي ارتضاه لعباده؟
كلا ، إنهم لا يستوون لا في سلوكهم وأعمالهم ، ولا في جزائهم الدنيوي أو الأخروى.
وقد ذكروا أن هذه الآية نزلت في شأن الوليد بن عقبة ، وعلى بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ ، حيث قال الوليد لعلى : أنا أبسط منك لسانا ، وأحد سنانا ، وأملأ في الكتيبة جسدا ، فقال له على : اسكت ، فإنما أنت فاسق ، فنزلت هذه الآية (١).
ثم فصل ـ سبحانه ـ حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء عاقبة الفاسقين ، فقال : (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله حق الإيمان (وَعَمِلُوا) الأعمال (الصَّالِحاتِ).
(فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى) أى : فلهم الجنات التي يأوون إليها ، ويسكنون فيها (نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) والنزل : أصله ما يهيّأ للضيف النازل من الطعام والشراب والصلة ، ثم عمم في كل عطاء. أى : فلهم جنات المأوى ينزلون فيها نزولا مصحوبا بالتكريم والتشريف جزاء أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا.
(وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا) أى : خرجوا عن طاعتنا ، وعن دعوة رسولنا صلىاللهعليهوسلم (فَمَأْواهُمُ النَّارُ) أى : فمنزلتهم ومسكنهم ومستقرهم النار وبئس القرار.
(كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) هربا من لهيبها وسعيرها وعذابها.
(أُعِيدُوا فِيها) مرغمين مكرهين ، وردوا إليها مهانين مستذلين.
(وَقِيلَ لَهُمْ) على سبيل الزجر والتأنيب وزيادة الحسرة في قلوبهم.
(ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) في الدنيا ، وتستهزءون بمن ينذركم به ، ويخوفكم منه.
(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى) أى الأهون والأقرب والأقل وهو عذاب الدنيا ، عن طريق ما ننزله بهم من أمراض وأسقام ومصائب متنوعة.
(دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) أى : الأشد والأعظم والأبقى ، وهو عذاب الآخرة.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ١٠٤.