ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بما يزيد في تبكيتهم وتقريعهم فقال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ).
أى : إن في ذلك الذي يرونه من مصارع الغابرين ، وآثار الماضين ، لآيات بينات ، وعظات بليغات ، فهلا تدبروا في ذلك ، واستمعوا إلى صوت الحق بتعقل وتفهم؟
فقوله ـ تعالى ـ : (أَفَلا يَسْمَعُونَ) حض لهم على الاستماع إلى الآيات الدالة على سوء عاقبة الظالمين ، بتدبر وتعقل واتعاظ ، وتحول من الباطل إلى الحق ، قبل أن يحل بهم ما حل بأهل الأزمنة الغابرة.
ثم نبههم ـ سبحانه ـ إلى نعمة من نعمه الكثيرة فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ ، فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً ، تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ) والأرض الجرز : هي الأرض اليابسة التي جرز نباتها وقطع ، إما لعدم نزول الماء عليها ، وإما لرعيه منها.
قال القرطبي ما ملخصه : والأرض الجرز هي التي جرز نباتها أى : قطع ، إما لعدم الماء ، وإما لأنه رعى وأزيل ، ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ جرز.
وهو مشتق من قولهم : رجل جروز إذا كان لا يبقى شيئا إلا أكله ، وكذلك ناقة جروز : إذا كانت تأكل كل شيء تجده ، وسيف جراز ، أى : قاطع ...» (١).
أى : أعموا ولم يشاهدوا بأعينهم (أَنَّا نَسُوقُ) بقدرتنا ورحمتنا (الْماءَ) الذي تحمله السحب (إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) أى : اليابسة الخالية من النبات ، فينزل عليها.
(فَنُخْرِجُ بِهِ) أى : فنخرج بهذا الماء النازل على الأرض القاحلة (زَرْعاً) كثيرا نافعا (تَأْكُلُ مِنْهُ) أى : من هذا الزرع (أَنْعامُهُمْ) أى : تأكل منه ما يصلح لأكلها كالأوراق والأغصان وما يشبه ذلك.
وقوله (وَأَنْفُسُهُمْ) معطوف على أنعامهم. أى : تأكل أنعامهم من الزرع ما يناسبها ، ويأكل منه الناس ما يناسبهم كالبقول والحبوب.
وقدم ـ سبحانه ـ الأنعام على بنى آدم للترقي من الأدنى إلى الأشرف.
وقوله ـ تعالى ـ (أَفَلا يُبْصِرُونَ) حض لهم على التأمل في هذه النعم ، والحرص على شكر المنعم عليها ، وإخلاص العبادة له.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ١١٠.