قال ابن كثير : هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى ، فإنه ـ تعالى ـ إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا ، فلأن يأتمر من دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى.
وقد قال خلف بن حبيب : التقوى أن تعمل بطاعة الله ، على نور من الله ، ترجو ثواب الله (١).
وبعد الأمر بالتقوى ، جاء النهى عن طاعة غير المؤمنين ، فقال ـ تعالى ـ : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ). أى : واظب ـ أيها النبي الكريم ـ على تقوى الله ، واجتنب طاعة الكافرين الذين جحدوا نعم الله عليهم ، وعبدوا معه آلهة أخرى ، واجتنب كذلك طاعة المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويخفون الكفر.
وفي إيراد هذا النهى بعد الأمر بتقوى الله ، إشارة وإيحاء إلى ما كان يبذله هؤلاء الكافرون والمنافقون من جهود عنيفة ، لزحزحة النبي صلىاللهعليهوسلم عما هو عليه من حق ، ولصرفه عن دعوتهم إلى الإسلام.
وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية روايات منها : أن جماعة من أهل مكة ، طلبوا من النبي صلىاللهعليهوسلم أن يرجع عن قوله ، وأن يعطوه شطر أموالهم ، وأن المنافقين واليهود بالمدينة هددوه بالقتل إن لم يرجع عن دعوتهم إلى الإسلام ، فنزلت (٢).
وقوله ـ تعالى ـ (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) : تعليل الأمر والنهى ، أى : اتبع ما أمرناك به ، وما نهيناك عنه ، لأن الله ـ تعالى ـ عليم بكل شيء ، وحكيم في كل أقواله وأفعاله.
ثم أمره ـ سبحانه ـ باتباع ما يوحيه إليه فقال : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ..
أى : واظب على تقوى الله ، وابتعد عن طاعة أعدائك ، واتبع في كل ما تأتى وتذر ، كل ما نوحيه إليك من عندنا اتباعا تاما.
فالجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها. من قبيل عطف العام على الخاص.
وفي النص على أن الوحى إليه صلىاللهعليهوسلم وأن هذا الوحى من ربه الذي تولاه بالتربية والرعاية ، إشعار بوجوب الاتباع التام الذي لا يشوبه انحراف أو تردد.
ثم أكد ـ سبحانه ـ هذا الأمر تأكيدا قويا فقال : (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أى : إنه ـ تعالى ـ خبير ومحيط بحركات النفوس وبخفايا القلوب ، وكل من يخالف
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٣٧٦.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢١ ص ١٤٠.