وقيل سبب نزولها أن بعض المنافقين قال : إن محمدا صلىاللهعليهوسلم له قلبان ، لأنه ربما كان في شيء فنزع في غيره نزعة ثم عاد إلى شأنه الأول ، فأكذبهم الله بقوله : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (١).
ويرى بعضهم : أن هذه الجملة الكريمة ، مثل ضربه الله ـ تعالى ـ للمظاهر من امرأته ، والمتبنى ولد غيره ، تمهيدا لما بعده.
أى : كما أن الله ـ تعالى ـ لم يخلق للإنسان قلبين في جوفه ، كذلك لم يجعل المرأة الواحدة زوجا للرجل وأما له في وقت واحد ، وكذلك لم يجعل المرء دعيا لرجل وابنا له في زمن واحد.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : أى : ما جمع الله قلبين في جوف ، ولا زوجية وأمومة في امرأة ، ولا بنوة ودعوة في رجل .. لأن الأم مخدومة مخفوض لها الجناح ، والزوجة ليست كذلك.
ولأن البنوة أصالة في النسب وعراقة فيه ، والدعوة : إلصاق عارض بالتسمية لا غير.
فإن قلت : أى فائدة في ذكر الجوف؟ قلت : الفائدة فيه كالفائدة في قوله ـ تعالى ـ : (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وذلك ما يحصل للسامع من زيادة التصور والتجلي للمدلول عليه ، لأنه إذا سمع به ، صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين فكان أسرع إلى الإنكار (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) إبطال لما كان سائدا من أن الرجل كان إذا قال لزوجته أنت على كظهر أمى حرمت عليه.
يقال. ظاهر فلان من امرأته وتظهر وظهر منها ، إذا قال لها : أنت على كظهر أمى ، يريد أنها محرمة عليه كحرمة أمه.
وقد جاء الكلام عن الظهار ، وعن حكمه ، وعن كفارته ، في سورة المجادلة ، في قوله ـ تعالى ـ : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها ، وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ ، وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما ، إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ. الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ ، إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ، وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ، وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) إبطال لعادة أخرى كانت موجودة ، وهي عادة التبني.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ١١٦.
(٢) تفسير الكشاف ـ بتصرف وتلخيص ـ ج ٣ ص ٥٢١.