رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد. حتى نزل القرآن : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) فقال صلىاللهعليهوسلم : «أنت زيد بن حارثة بن شراحيل» (١).
وكان زيد قد أسر في بعض الحروب ، ثم بيع في مكة ، واشتراه حكيم بن حزام ، ثم أهداه إلى عمته السيدة خديجة ، ثم أهدته خديجة ـ رضى الله عنها ـ إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وصار الناس يقولون : زيد بن محمد حتى نزلت الآية.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ) إرشاد إلى معاملة هؤلاء الأدعياء في حالة عدم معرفة آبائهم.
أى : انسبوا هؤلاء الأدعياء إلى آبائهم الحقيقيين ، فإن ذلك أعدل عند الله ـ تعالى ـ ، وأشرف للآباء والأبناء ، فإن لم تعلموا آباءهم الحقيقيين لكي تنسبوهم إليهم ، فهؤلاء الأدعياء هم إخوانكم في الدين والعقيدة ، وهم مواليكم ، فقولوا لهم ، يا أخى أو يا مولاي ، واتركوا نسبتهم إلى غير آبائهم الشرعيين.
وفي هذه الجملة الكريمة إشارة إلى ما كان عليه المجتمع الجاهلى من تخلخل في العلاقات الجنسية ، ومن اضطراب في الأنساب ، وقد عالج الإسلام كل ذلك بإقامة الأسرة الفاضلة ، المبنية على الطهر والعفاف ، ووضع الأمور في مواضعها السليمة.
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر اليسر ورفع الحرج في تشريعاته فقال : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ ، وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).
أى. انسبوا ـ أيها المسلمون ـ الأبناء إلى آبائهم الشرعيين ، فإن لم تعرفوا آباءهم فخاطبوهم ونادوهم بلفظ : يا أخى أو يا مولاي. ومع كل ذلك فمن رحمتنا بكم أننا لم نجعل عليكم جناحا أو إثما ، فيما وقمتم فيه من خطأ غير مقصود بنسبتكم بعض الأبناء الأدعياء إلى غير آبائهم ، ولكننا نؤاخذكم ونعاقبكم فيما تعمدته قلوبكم من نسبة الأبناء إلى غير آبائهم.
و (كانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ـ وما زال واسع المغفرة والرحمة لمن يشاء من عباده.
هذا ، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين : حرص شريعة الإسلام على إعطاء كل ذي حق حقه ، ومن مظاهر ذلك إبطال الظهار الذي كان يجعل المرأة محرمة على الرجل ، ثم تبقى بعد ذلك معلقة ، لا هي مطلقة فتتزوج غير زوجها ، ولا هي زوجة فتحل له فشرع الإسلام كفارة الظهار إنصافا للمرأة ، وحرصا على كرامتها.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢١ ص ١٤٧.