وخص هؤلاء الأنبياء بالذكر ، للتنويه بفضلهم ، فهم أولو العزم من الرسل ، وهم الذين تحملوا في سبيل إعلاء كلمة الله ـ تعالى ـ أكثر مما تحمل غيرهم.
وقدم صلىاللهعليهوسلم عليهم في قوله (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) لمزيد فضله صلىاللهعليهوسلم على جميع الأنبياء.
قال الآلوسى : ولا يضر تقديم نوح ـ عليهالسلام ـ في سورة الشورى ، أعنى قوله ـ تعالى ـ : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً ، وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) إذ لكل مقام مقال. والمقام في سورة الشورى وصف دين الإسلام بالأصالة. والمناسب فيه تقديم نوح ، فكأنه قيل : شرع لكم الدين الأصيل الذي بعث عليه نوح في العهد القديم ، وبعث عليه محمد صلىاللهعليهوسلم في العهد الحديث ، وبعث عليه من توسط بينهما من الأنبياء (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) معطوف على ما قبله وهو (أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) ، لإفادة تفخيم شأن هذا الميثاق المأخوذ على الأنبياء ، وبيان أنه عهد في أقصى درجات الأهمية والشدة.
أى : وأخذنا من هؤلاء الأنبياء عهدا عظيم الشأن ، بالغ الخطورة ، رفيع المقدار.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : فما ذا أراد بالميثاق الغليظ؟
قلت : أراد به ذلك الميثاق بعينه. إذ المعنى : وأخذنا منهم بذلك الميثاق ميثاقا غليظا.
والغلظ استعارة في وصف الأجرام. والمراد : عظم الميثاق وجلالة شأنه في بابه.
وقيل : المراد بالميثاق الغليظ : اليمين بالله على الوفاء بما حملوا (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) متعلق بقوله : (أَخَذْنا) ، أو بمحذوف. والمراد بالصادقين : الأنبياء الذين أخذ الله عليهم الميثاق.
أى : فعل ـ سبحانه ـ ذلك ليسأل يوم القيامة أنبياءه عن كلامهم الصادق الذي قالوه لأقوامهم ، وعن موقف هؤلاء الأقوام منهم.
والحكمة من هذا السؤال تشريف هؤلاء الرسل وتكريمهم ، وتوبيخ المكذبين لهم فيما جاءوهم به من كلام صادق ومن إرشاد حكيم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) معطوف على ما دل عليه قوله ، ليسأل الصادقين.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢١ ص ١٥٤.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٢٥.