والمعنى : إن الله ـ تعالى ـ لا يخفى عليه حال أولئك المنافقين. الذين يخذلون ويثبطون ويصرفون إخوانهم في النفاق والشقاق ، عن الاشتراك مع المؤمنين ، في حرب جيوش الأحزاب ، ويقولون لهم : (هَلُمَّ إِلَيْنا) أى : أقبلوا نحونا ، وتعالوا إلى جوارنا ، ولا تنضموا إلى صفوف المسلمين.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً) ذم لهم على جبنهم وخورهم.
أى : أن من صفاتهم الأصيلة أنهم جبناء ، ولا يقبلون على الحرب والقتال ، إلا إقبالا قليلا. فهم تارة يخرجون مع المؤمنين ، لإيهامهم أنهم معهم ، أو يخرجون معهم على سبيل الرياء والطمع في غنيمة.
ثم أخذت السورة الكريمة في تصوير ما جبلوا عليه من سوء تصويرا معجزا ، فقال ـ تعالى ـ (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) ، جمع شحيح من الشح وهو البخل في أقبح صوره. ولفظ (أَشِحَّةً) منصوب على الحال من الضمير في قوله : (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً).
أى : أن من صفات هؤلاء المنافقين الجبن والخور ، حالة كونهم بخلاء بكل خير يصل إليكم ـ أيها المؤمنون ـ فهم لا يعاونونكم في حفر الخندق ، ولا في الدفاع عن الحق والعرض والشرف ولا في أى شيء فيه منفعة لكم.
(فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ) ، أى فإذا اقترب الوقت الذي يتوقع فيه اللقاء بينكم وبين أعدائكم. (رَأَيْتَهُمْ) أيها الرسول الكريم ـ (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) بجبن وهلع (تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ) في مآقيهم يمينا وشمالا.
وحالهم كحال الذي (يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) أى : كحال الذي أحاط به الموت من كل جانب ، فصار في أقصى دركات الوهن والخوف والفزع.
هذه هي حالهم عند ما يتوقعون الشدائد والمخاوف ، أما حالهم عند الأمان وذهاب الخوف ، فهي كما قال ـ تعالى ـ (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ).
وقوله (سَلَقُوكُمْ) من السّلق. وأصله بسط العضو ومده للأذى ، سواء أكان هذا العضو يدا أو لسانا. والمراد به الإيذاء بالكلام السيئ القبيح.
أى : أنهم عند الشدائد جبناء بخلاء ، فإذا ما ذهب الخوف وحل الأمان ، سلطوا عليكم ألسنتهم البذيئة بالأذى والسوء ، ورموكم بألسنة ماضية حادة ، تؤثر تأثير الحديد في الشيء ، وارتفعت أصواتهم بعد أن كانوا إذا ما ذكر القتال أمامهم ، صار حالهم كحال المغشى عليه من الموت.