تعالى ـ بكم من خير أو شر ، ومن نعمة أو نقمة ، ومن موت أو حياة.
إن أحدا لا يستطيع أن يمنع قضاء الله عنكم. فالاستفهام للإنكار والنفي.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف جعلت الرحمة قرينة السوء في العصمة ، ولا عصمة إلا من السوء؟
قلت : معناه ، أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة ، فاختصر الكلام وأجرى مجرى قول : «متقلدا سيفا ورمحا» ـ أى : «متقلدا سيفا وحاملا رمحا» (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) معطوف على ما قبله. أى : لا يجدون من يعصمهم مما يريده الله ـ تعالى ـ بهم ، ولا يجدون من دونه ـ سبحانه ـ وليا ينفعهم ، أو نصيرا ينصرهم ، إذ هو وحده ـ سبحانه ـ الناصر والمغيث والمجير.
قال ـ تعالى ـ : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ، وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن علمه محيط بهؤلاء المنافقين ، وأنهم لن يفلتوا من عقابه ، فقال : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ، وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً).
قال الآلوسى ما ملخصه : قال ابن السائب : الآية في عبد الله بن أبى وأمثاله ممن رجع من المنافقين من الخندق إلى المدينة. كانوا إذا جاءهم المنافق قالوا له : ويحك اجلس ولا تخرج ، ويكتبون إلى إخوانهم في العسكر ، أن ائتونا فإنا ننتظركم.
وكان بعضهم يقول لبعض : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ، ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه ، فخلوهم (٢).
و «قد» للتحقيق ، لأن الله ـ تعالى ـ لا يخفى عليه شيء. و «المعوقين» من العوق وهو المنع والصرف ، يقال : عاق فلان فلانا ، إذا صرفه عن الجهة التي يريدها.
و «من» في قوله (مِنْكُمْ) للبيان. والمراد بالأخوة : التطابق والتشابه في الصفات الذميمة ، والاتجاهات القبيحة. التي على رأسها كراهيتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم ولأصحابه.
و «هلم» اسم فعل أمر بمعنى أقبل.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٢٩.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢١ ص ١٦٣.