وكان قوم نوح يعبدون الأصنام ، فأرسل الله ـ تعالى ـ إليهم نبيهم نوحا ، ليدلهم على طريق الحق والرشاد.
والمعنى : ولقد أرسلنا نبينا نوحا ـ عليهالسلام ـ إلى قومه ، لكي يأمرهم بإخلاص العبادة لنا ، وينهاهم عن عبادة غيرنا (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) يدعوهم إلى الدين الحق ، ليلا ونهارا ، وسرا وعلانية.
قالوا : بعث الله نوحا وهو في سن الأربعين من عمره ، ولبث يدعو قومه إلى عبادة الله ـ تعالى ـ وحده ، ألف سنة إلا خمسين عاما ، وعاش بعد الطوفان ستين سنة ، فيكون عمره كله ألف سنة وخمسين سنة.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : فلم جاء المميز أولا بالسنة ، وثانيا بالعام؟ قلت : لأن تكرير اللفظ الواحد ، حقيق بالاجتناب في البلاغة ، إلا إذا وقع ذلك لأجل غرض يبتغيه المتكلم من تفخيم أو تهويل أو تنويه أو نحو ذلك» (١).
والمقصود بذكر هذه المدة الطويلة التي قضاها نوح ـ عليهالسلام ـ مع قومه ، تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم وتثبيته ، فكأن الله ـ تعالى ـ يقول له : يا محمد لقد لبث أخوك نوح تلك المدة الطويلة ، ومع ذلك لم يؤمن معه إلا قليل ، فعليك أن تقتدى به في صبره ، وفي مطاولته لقومه.
وقوله ـ سبحانه ـ (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ) بيان لسوء عاقبة المكذبين لنوح ـ عليهالسلام ـ بعد أن مكث فيهم تلك المدة الطويلة.
والطوفان : قد يطلق على كل ما يطوف بالشيء على كثرة وشدة من السيل والريح والظلام ، وقد غلب إطلاقه على طوفان الماء ، وهو المراد هنا.
أى مكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى إخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ ولكنهم كذبوه ، فأخذهم الطوفان ، والحال أنهم كانوا مستمرين على الظلم والكفر ، دون أن تؤثر فيهم مواعظ نبيهم ونذره.
ثم بين ـ سبحانه ـ حسن عاقبة نوح ومن آمن معه فقال : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) : أى : فأنجينا نوحا ومن آمن معه ، وهم الذين ركبوا معه في السفينة. قيل : كان عدد هؤلاء الذين آمنوا به ثمانين ما بين ذكر وأنثى ، وقيل كانوا أقل من ذلك.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٤٦.