ثم قال القرطبي : قلت : وهذه نعمة من الله ـ تعالى ـ على هذه الأمة من أكبر النعم ، ودليل على فضلها على سائر الأمم. وقد قال : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
والصلاة من الله على العبد هي رحمته له ، وبركته لديه. وصلاة الملائكة : دعاؤهم للمؤمنين واستغفارهم لهم ، كما قال ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ، وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) (١).
وقوله : (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) متعلق بقوله : (يُصَلِّي) أى : يرحمكم ـ سبحانه ـ برحمته الواسعة ، ويسخر ملائكته للدعاء لكم ، لكي يخرجكم بفضله ومنته ، من ظلمات الضلال والكفر إلى النور والهداية والإيمان.
(وَكانَ) ـ سبحانه ـ وما زال (بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) رحمة عظيمة واسعة ، تشمل الدنيا والآخرة.
أما رحمته لهم في الدنيا فمن مظاهرها : هدايته إياهم إلى الصراط المستقيم.
وأما رحمته ـ سبحانه ـ لهم في الآخرة فمن مظاهرها : أنهم يأمنون من الفزع الأكبر.
وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى امرأة من السبي قد أخذت صبيا لها فألصقته إلى صدرها وأرضعته فقال : «أترون هذه تلقى ولدها في النار وهي تقدر على ذلك؟ قالوا : لا. قال : فو الله لله أرحم بعباده من هذه بولدها».
ثم بين ـ عزوجل ـ ما أعده للمؤمنين في الآخرة فقال : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ).
والتحية : أن يقول قائل للشخص : حياك الله ، أى : جعل لك حياة طيبة.
وهذه التحية للمؤمنين في الآخرة ، تشمل تحية الله ـ تعالى ـ لهم ، كما في قوله ـ سبحانه ـ : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (٢).
وتشمل تحية الملائكة لهم ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (٣).
كما تشمل تحية بعضهم لبعض كما في قوله ـ عزوجل ـ : (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ ، وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ١٩٨.
(٢) سورة يس. الآية ٨٥.
(٣) سورة الرعد. الآية ٢٢ ، ٢٣.
(٤) سورة يونس. الآية ١٠.