(ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) أى : ثم طلقتموهن من قبل أن تجامعوهن.
قال الآلوسى : وفائدة المجيء بثم مع أن الحكم ثابت لمن تزوج امرأة وطلقها على الفور كثبوته لمن تزوجها وطلقها بعد مدة مديدة ، إزاحة ما عسى يتوهم أن تراخى الطلاق ، له دخل في إيجاب العدة ، لاحتمال الملاقاة والجماع سرا .. (١).
أى : أن الحكم الذي اشتملت عليه الآية الكريمة ، ثابت سواء تم الطلاق بعد عقد الزواج مباشرة ، أم بعده بمدة طويلة.
وفي التعبير عن الجماع بالمس كناية لطيفة. من شأنها أن تربى في الإنسان حسن الأدب ، وسلامة التعبير ، وتجنب النطق بالألفاظ التي تخدش الحياء.
وقوله : (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) جواب إذا ، وبيان للحكم المترتب على طلاق المرأة قبل الدخول بها.
أى : إذا طلقتموهن قبل الدخول بهن ، فلا عدة عليهن ، بل من حقهن أن يتزوجن بغيركم ، بعد طلاقكم لهن بدون التقيد بأية مدة من الزمان.
قال الجمل : وقوله : (تَعْتَدُّونَها) صفة لعدة. وتعتدونها تفتعلونها ، إما عن العد ، وإما عن الاعتداد ، أى ، تحسبونها أو تستوفون عددها ، من قولك : عد فلان الدراهم فاعتدها ، أى : فاستوفى عددها .. (٢).
فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن المطلقة قبل الدخول بها لا عدة عليها إطلاقا بنص الكتاب وإجماع الأمة ، أما المطلقة بعد الدخول بها فعليها العدة إجماعا.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) بيان لما يجب على المؤمنين أن يفعلوه ، بالنسبة لمن طلقت قبل الدخول بها.
وأصل المتعة والمتاع ، ما ينتفع به الإنسان من مال أو كسوة أو غير ذلك. ثم أطلقت المتعة على ما يعطيه الرجل للمرأة من مال أو غيره عند طلاقها منه ، لتنتفع به ، جبرا لخاطرها ، وتعويضا لها عما نالها بسبب هذا الفراق.
وأصل التسريح : أن ترعى الإبل السرح ، وهو شجر له ثمرة ، ثم أطلق على كل إرسال في الرعي ، ثم على كل إرسال وإخراج.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ٤٨.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٤٤٣.