وأطلق على المهر أجر لمقابلته الاستمتاع الدائم بما يحل الاستمتاع به من الزوجة ، كما يقابل الأجر بالمنفعة.
وقوله : (وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) بيان لنوع آخر مما أحله الله ـ تعالى ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم.
والمعنى : يا أيها النبي إنا أحللنا لك ـ بفضلنا ـ على سبيل التكريم والتشريف لك ، الاستمتاع بأزواجك الكائنات عندك ، واللاتي أعطيتهن مهورهن ـ كعائشة وحفصة وغيرهما ـ ، لأنهن قد اخترنك على الحياة الدنيا وزينتها.
كما أحللنا لك التمتع بما ملكت يمينك من النساء اللائي دخلن في ملكك عن طريق الغنيمة في الحرب ، كصفية بنت حيي بن أخطب ، وجويرية بنت الحارث.
ثم بين ـ سبحانه ـ نوعا ثالثا أحله ـ سبحانه ـ له فقال : (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ).
أى : وأحللنا لك ـ أيضا ـ الزواج بالنساء اللائي تربطك بهن قرابة من جهة الأب ، أو قرابة من جهة الأم.
وقوله (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) إشارة إلى ما هو أفضل ، وللإيذان بشرف الهجرة وشرف من هاجر.
والمراد بالمعية هنا. الاشتراك في الهجرة. لا المصاحبة فيها ، لما في قوله ـ تعالى ـ حكاية عن ملكة سبأ : (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
قال بعض العلماء : وقد جاء في الآية الكريمة عدة قيود ، ما أريد بواحد منها إلا التنبيه على الحالة الكريمة الفاضلة.
منها : وصف النبي صلىاللهعليهوسلم باللاتى آتى أجورهن ، فإنه تنبيه على الحالة الكاملة ، فإن الأكمل إيتاء المهر كاملا دون أن يتأخر منه شيء.
ومنها : أن تخصيص المملوكات بأن يكن من الفيء ، فإن المملوكة إذا كانت غنيمة من أهل الحرب كانت أحل وأطيب مما يشترى من الجلب ، لأن المملوكة عن طريق الغنيمة تكون معروفة الحال والنشأة.
ومنها : قيد الهجرة في قوله : (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) ، ولا شك أن من هاجرت مع النبي صلىاللهعليهوسلم أولى بشرف زوجية النبي صلىاللهعليهوسلم ممن عداها (١).
__________________
(١) تفسير آيات الأحكام ج ٤ ص ٢٢ للمرحوم الشيخ محمد على السائس.