وقوله : (تُرْجِي) من الإرجاء بمعنى التأخير والتنحية ، وقرئ مهموزا وغير مهموز. تقول : أرجيت الأمر وأرجأته ، إذا أخرته ، ونحيته جانبا حتى يحين موعده المناسب.
وقوله : (وَتُؤْوِي) من الإيواء بمعنى الضم والتقريب ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) .. أى : ضمه إليه وقربه منه.
والضمير في قوله (مِنْهُنَ) يعود إلى زوجاته صلىاللهعليهوسلم اللائي كن في عصمته.
قال القرطبي ما ملخصه : واختلف العلماء في تأويل هذه الآية ، وأصح ما قيل فيها : التوسعة على النبي صلىاللهعليهوسلم في ترك القسم ، فكان لا يجب عليه القسم بين زوجاته.
وهذا القول هو الذي يناسب ما مضى ، وهو الذي ثبت معناه في الصحيح ، عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : كنت أغار على اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وأقول : أو تهب المرأة نفسها لرجل؟ فلما أنزل الله ـ تعالى ـ : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ.) ...
قالت : قلت : والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
قال ابن العربي : هذا الذي ثبت في الصحيح هو الذي ينبغي أن يعول عليه. والمعنى المراد : هو أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان مخيرا في أزواجه ، إن شاء أن يقسم قسم ، وإن شاء أن يترك القسم ترك. لكنه كان يقسم من جهة نفسه ، تطييبا لنفوس أزواجه.
وقيل كان القسم واجبا عليه ثم نسخ الوجوب بهذه الآية.
وقيل : الآية في الطلاق. أى : تطلق من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء.
وقيل : المراد بالآية : الواهبات أنفسهن له صلىاللهعليهوسلم.
ثم قال القرطبي : وعلى كل معنى ، فالآية معناها التوسعة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم والإباحة ، وما اخترناه أصح والله أعلم (١).
أى : لقد وسعنا عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ في معاشرة نسائك ، فأبحنا لك أن تؤخر المبيت عند من شئت منهن ، وأن تضم إليك من شئت منهن ، بدون التقيد بوجوب القسم بينهن ، كما هو الشأن بالنسبة لأتباعك حيث أوجبنا عليهم العدل بين الأزواج في البيتوتة وما يشبهها.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٢١٤.