فإنكم إن فعلتم ذلك (يُصْلِحْ) الله ـ تعالى ـ (لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) بأن يجعلها مقبولة عنده (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) التي فرطت منكم ، بأن يمحوها عنكم ببركة استقامتكم في أقوالكم وأفعالكم.
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في كل الأقوال والأعمال (فَقَدْ فازَ) في الدارين (فَوْزاً عَظِيماً) لا يقادر قدره ، ولا يعلم أحد كنهه وعلو منزلته.
ثم بين ـ سبحانه ـ ضخامة التبعة التي حملها الإنسان فقال : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) ...
وأرجح الأقوال وأجمعها في المراد بالأمانة هنا : أنها التكاليف والفرائض الشرعية التي كلف الله ـ تعالى ـ بها عباده ، من إخلاص في العبادة ، ومن أداء للطاعات ، ومن محافظة على آداب هذا الدين وشعائره وسننه.
وسمى ـ سبحانه ـ ما كلفنا به أمانة ، لأن هذه التكاليف حقوق أمرنا ـ سبحانه ـ بها ، وائتمننا عليها ، وأوجب علينا مراعاتها والمحافظة عليها ، وأداءها بدون إخلال بشيء منها.
والمراد بالإنسان : آدم ـ عليهالسلام ـ أو جنس الإنسان.
والمراد بحمله إياها : تقبله لحمل هذه التكاليف والأوامر والنواهي مع ثقلها وضخامتها.
وللعلماء في تفسير هذه الآية اتجاهات ، فمنهم من يرى أن الكلام على حقيقته ، وأن الله ـ تعالى ـ قد عرض هذه التكاليف الشرعية المعبر عنها بالأمانة ، على السموات والأرض والجبال (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) لثقلها وضخامتها (وَأَشْفَقْنَ مِنْها) أى : وخفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك ما يؤدى بهن إلى عذاب الله وسخطه بسبب التقصير في أداء ما كلفن بأدائه.
(وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) أى : وقبل الإنسان حمل هذه الأمانة عند عرضها عليه ، بعد أن أبت السموات والأرض والجبال حملها ، وأشفقن منها.
(إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) أى : إنه كان مفرطا في ظلمه لنفسه ، ومبالغا في الجهل ، لأن هذا الجنس من الناس لم يلتزموا جميعا بأداء ما كلفهم الله ـ تعالى ـ بأدائه. وإنما منهم من أداها على وجهها ـ وهم الأقلون ـ ، ومنهم من لم يؤدها وإنما عصى ما أمره به ربه ، وخان الأمانة التي التزم بأدائها.
فالضمير في قوله (إِنَّهُ) يعود على بعض أفراد جنس الإنسان ، وهم الذين لم يؤدوا