ومن إيذائهم له ـ عليهالسلام ـ ما رواه الإمام البخاري والترمذي عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء ، فآذاه من آذاه من بنى إسرائيل ، وقالوا : ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده ، إما برص ، وإما آفة. وإن الله ـ تعالى ـ أراد أن يبرئه مما قالوا ، وإن موسى خلا يوما وحده فوضع ثيابه على حجر ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها ، وإن الحجر عدا بثوبه ، وأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ، فجعل يقول : ثوبي حجر ، ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ بنى إسرائيل ، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله ـ تعالى ـ ، وأبرأه الله ـ تعالى ـ مما يقولون .. فذلك قوله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى.) .. (١).
والمعنى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ حق الإيمان ، التزموا الأدب والطاعة والاحترام لنبيكم صلىاللهعليهوسلم واحذروا أن تسلكوا معه المسلك الذي سلكه بنو إسرائيل مع نبيهم موسى ـ عليهالسلام ـ حيث آذوه بشتى أنواع الأذى.
وقولهم : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ.) .. واتخاذهم العجل إلها من دون الله في غيبة نبيهم موسى ـ عليهالسلام ـ ..
(فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) أى : فأظهر الله ـ تعالى ـ براءته من كل ما نسبوه إليه من سوء.
(وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) أى : وكان عند الله ـ تعالى ـ ذا جاه عظيم ، ومكانة سامية ، ومنزلة عالية ، حيث نصره ـ سبحانه ـ عليهم ، واصطفاه لحمل رسالته ..
يقال : وجه الرجل يوجه وجاهة فهو وجيه ، إذا كان ذا جاه وقدر ..
ثم أمرهم ـ سبحانه ـ بمراقبته وبالخوف منه ، بعد أن نهاهم عن التشبه ببني إسرائيل في إيذائهم لنبيهم فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) ...
والقول السديد : هو القول الصادق الصحيح الخالي من كل انحراف عن الحق والصواب ، مأخوذ من قولك : سدد فلان سهمه يسدده ، إذا وجهه بإحكام الى المرمى الذي يقصده فأصابه. ومنه قولهم : سهم قاصد. إذا أصاب الهدف.
أى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وراقبوه وخافوه في كل ما تأتون وما تذرون ، وفي كل ما تقولون وما تفعلون ، وقولوا قولا كله الصدق والصواب.
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٤٧٤.