(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أى : وما أنتم ـ أيها الناس ـ بقادرين على أن تفلتوا أو تهربوا من لقاء الله ـ تعالى ـ ومن حسابه ، سواء كنتم في الأرض ، أم كنتم في السماء ، إذ ليست هناك قوة في هذا الوجود تحول بينكم وبين الانقلاب إليه ـ سبحانه ـ والوقوف بين يديه للحساب والجزاء.
قال الشوكانى : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) قال الفراء : ولا من في السماء بمعجزين الله فيها ... والمعنى : أنه لا يعجزه ـ سبحانه ـ أهل الأرض ولا أهل السماء في السماء لو كنتم فيها ، كما تقول : لا يفوتني فلان هاهنا ولا بالبصرة. يعنى : ولا بالبصرة لو صار إليها ...» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) مؤكد لما قبله. أى : لستم بقادرين على الهرب من لقاء الله ـ تعالى ـ. في الآخرة. وليس سواه من ناصر ينصركم ، أو من قريب يدفع عنكم حكمه وقضاءه ـ سبحانه ـ.
ثم بين ـ سبحانه ـ مصير الكافرين فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) الدالة على وحدانيته وقدرته ، وعلى ذاته وصفاته .. وكفروا ـ أيضا ـ بالأدلة الدالة على (لِقائِهِ) بأن أنكروا البعث والحساب والجزاء (أُولئِكَ) الذين كفروا بكل ذلك (يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) أى : انقطع أملهم في رحمتي إياهم انقطاعا تاما وعبر ـ سبحانه ـ بالماضي لدلالة علمه التام على تحقق وقوع هذا اليأس ، وفقدان الأمل عند هؤلاء الكافرين وقت أن يقفوا بين يديه للحساب ، بسبب كفرهم وسوء أعمالهم.
وأضاف ـ عزوجل ـ الرحمة إليه ، للإشارة إلى سبقها لغضبه ، وأنها تشمل عبادة المؤمنين.
(وَأُولئِكَ) أى : الذين كفروا بآيات الله وبلقائه (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) لا يعلم مقدار شدته وفظاعته إلا هو ـ سبحانه ـ.
ثم قص ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما قاله قوم إبراهيم له ، وما رد به عليهم. فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٤ ص ١٩٨.