وقوله : (وَالطَّيْرَ) بالنصب عطفا على قوله (فَضْلاً) أى : وسخرنا له الطير لتسبح معه بحمدنا. أو معطوف على محل (يا جِبالُ) أى : ودعونا الجبال والطير إلى التسبيح معه.
قال الإمام ابن كثير ـ رحمهالله : يخبر ـ تعالى ـ عما أنعم به على عبده ورسوله داود ـ عليهالسلام ـ مما آتاه من الفضل المبين ، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن ، والجنود ذوى العدد والعدد ، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم ، الذي كان إذا سبح به ، تسبح معه الجبال الراسيات ، الصم الشامخات ، وتقف له الطيور السارحات. والغاديات الرائحات ، وتجاوبه بأنواع اللغات.
وفي الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سمع صوت أبى موسى الأشعرى يقرأ من الليل ، فوقف فاستمع لقراءته ثم قال : «لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود» (١).
وقال صاحب الكشاف : فإن قلت : أى فرق بين هذا النظم وبين أن يقال : «وآتينا داود منا فضلا» تأويب الجبال معه والطير؟
قلت : كم بينهما من الفرق؟ ألا ترى إلى ما فيه من الفخامة التي لا تخفى ، من الدلالة على عزة الربوبية وكبرياء الألوهية ، حيث جعلت الجبال منزلة منزلة العقلاء ، الذين إذا أمرهم أطاعوا وأذعنوا ، وإذا دعاهم سمعوا وأجابوا ، إشعارا بأنه ما من حيوان وجماد وناطق وصامت إلا وهو منقاد لمشيئته ، غير ممتنع على إرادته (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) ، بيان لنعمة أخرى من النعم التي أنعم بها ـ سبحانه ـ عليه.
أى : وصيرنا الحديد لينا في يده ، بحيث يصبح ـ مع صلابته وقوته ـ كالعجين في يده ، يشكله كيف يشاء ، من غير أن يدخله في نار ، أو أن يطرقه بمطرقة.
فالجملة الكريمة معطوفة على قوله (آتَيْنا) ، وهي من جملة الفضل الذي منحه ـ سبحانه ـ لنبيه داود ـ عليهالسلام ـ.
و (أَنِ) في قوله : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) مصدرية على حذف حرف الجر. وسابغات صفة لموصوف محذوف.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٤٨٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٧١.