و (قَلِيلٌ) خبر مقدم. و (مِنْ عِبادِيَ) صفة له. و ، (الشَّكُورُ) مبتدأ مؤخر. وهكذا يختم القرآن هذه النعم بهذا التعقيب الذي يكشف عن طبيعة الناس في كل زمان ومكان ، حتى يحملهم على أن يخالفوا أهواءهم ونفوسهم ، ويكثروا من ذكر الله ـ تعالى ـ وشكره.
وحقيقة الشكر : الاعتراف بالنعمة للمنعم ، والثناء عليه لإنعامه ، واستعمال نعمه ـ سبحانه ـ فيما خلقت له.
والإنسان الشكور : هو المتوفر على أداء الشكر ، الباذل قصارى جهده في ذلك ، عن طريق قلبه ولسانه وجوارحه.
ثم ختم ـ سبحانه ـ النعم التي أنعم بها على داود وسليمان ، ببيان مشهد وفاة سليمان ، فقال : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ).
والمراد بدابة الأرض : قيل هي الأرضة التي تأكل الخشب وتتغذى به ، يقال : أرضت الدابة الخشب أرضا ـ من باب ضرب ـ ، إذا أكلته. فإضافة الدابة إلى الأرض ـ بمعنى الأكل والقطع ـ من إضافة الشيء إلى فعله.
و (مِنْسَأَتَهُ) أى : عصاه التي كان مستندا عليها. وسميت العصا بذلك لأنها تزجر بها الأغنام إذا جاوزت مرعاها. من نسأ البعير ـ كمنع ـ إذا زجره وساقه ، أو إذا أخره ودفعه.
والمعنى : فلما حكمنا على سليمان ـ عليهالسلام ـ بالموت ، وأنفذناه فيه ، وأوقعناه عليه ، (ما دَلَّهُمْ) أى : الجن الذين كانوا في خدمته (عَلى مَوْتِهِ) بعد أن مات وظل واقفا متكئا على عصاه (إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ).
أى : انهم لم يدركوا أنه مات ، واستمروا في أعمالهم الشاقة التي كلفهم بها ، حتى جاءت الدابة التي تفعل الأرض ـ أى الأكل والقطع ـ فأكلت شيئا من عصاه التي كان متكئا عليها ، فسقط واقعا بعد أن كان واقفا.
(فَلَمَّا خَرَّ) أى : فلما سقط سليمان على الأرض (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) أى : ظهر لهم ظهورا جليا (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) كما يزعم بعضهم.
(ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) أى : ما بقوا في الأعمال الشاقة التي كلفهم بها سليمان.
وذلك أن الجن استمروا فيما كلفهم به سليمان من أعمال شاقة ، ولم يدركوا أنه قد مات ،