والنهار ، فحذف المضاف إليه وأقيم مقامه الظرف اتساعا.
وقوله : (إِذْ تَأْمُرُونَنا) .. ظرف للمكر. أى : بل مكركم الدائم بنا وقت أمركم لنا بأن نكفر بالله ونجعل له أشباها ونظراء نعبدها من دونه ـ تعالى ـ هو الذي حال بيننا وبين اتباع الحق والهدى.
قال الجمل : وقوله (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) يجوز رفع (مَكْرُ) من ثلاثة أوجه : أحدها : على الفاعلية بتقدير : بل صدنا مكركم في هذين الوقتين ، الثاني ان يكون مبتدأ خبره محذوف. أى : مكر الليل صدنا عن اتباع الحق. الثالث : العكس ، أى : سبب كفرنا مكركم. وإضافة المكر إلى الليل والنهار إما على الإسناد المجازى كقولهم : ليل ماكر ، فيكون مصدرا مضافا لمرفوعه وإما على الاتساع في الظرف ، فجعل كالمفعول به فيكون مضافا لمنصوبه (١).
والضمير المرفوع في قوله ـ سبحانه ـ : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) يعود إلى الأتباع والزعماء. وأسروا من الإسرار بمعنى الكتمان والإخفاء.
أى : وأضمر الذين استضعفوا والمستكبرون الندامة والحسرة حين شاهدوا العذاب المعد لهم جميعا ، وذلك لأنهم بهتوا وشهدوا حين عاينوه ، ودفنت الكلمات في صدورهم فلم يتمكنوا من النطق بها وأصابهم ما أصابهم من الكمد الذي يجعل الشفاه لا تتحرك ، والألسنة لا تنطق.
فالمقصود من إسرار الندامة : بيان عجزهم الشديد عن النطق بما يريدون النطق به لفظاعة ما شهدوه من عذاب غليظ قد أعد لهم.
وقيل إن (أَسَرُّوا النَّدامَةَ) بمعنى أظهروها : لأن لفظ أسر من الأضداد.
قال الآلوسى ما ملخصه : (وَأَسَرُّوا) أى : أضمر الظالمون من الفريقين (النَّدامَةَ) على ما كان منهم في الدنيا .. (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) لأنهم بهتوا لما عاينوه فلم يقدروا على النطق.
وقيل : أسروا الندامة. بمعنى أظهروها ، فإن لفظ «أسر» من الأضداد ، إذ الهمزة تصلح للإثبات وللسلب ، فمعنى أسره : جعله سره ، أو أزال سره .. (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما حل بهم من عذاب بسبب كفرهم فقال : (وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ، هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٤٧٥.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ١٤٦.