قال صاحب الكشاف عند تفسيره لقوله ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ.) .. : هذه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مما منى به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به ، والمنافسة بكثرة الأموال والأولاد ، والتكبر بذلك على المؤمنين .. وأنه ـ سبحانه ـ لم يرسل قط إلى أهل قرية من نذير ، إلا قالوا له مثل ما قال أهل مكة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (١).
والمعنى : وما أرسلنا في قرية ، من القرى (مِنْ نَذِيرٍ) ينذر أهلها بسوء العاقبة إذا ما استمروا على كفرهم وضلالهم. (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) أى : إلا قال أغنياؤها ورؤساؤها وجبابرتها المتسعون في النعم فيها ، لمن جاءوا لإنذارهم وهدايتهم إلى الحق.
(إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) من الدعوة إلى عبادة الله ـ تعالى ـ (كافِرُونَ) بما نحن عليه من شرك وتقليد للآباء مؤمنون.
فالآية الكريمة تحكى موقف المترفين في كل أمة ، من الرسل الذين جاءوا لهدايتهم ، وأن هؤلاء المترفين في كل زمان ومكان ، كانوا أعداء للأنبياء وللمصلحين ، لأن الترف من شأنه أن يفسد الفطرة ، ويبعث على الغرور والتطاول ، ويحول بين الإنسان وبين التمسك بالفضائل والقيم العليا ، ويهدى إلى الانغماس في الرذائل والشهوات الدنيا.
ثم يحكى القرآن الكريم أن هؤلاء المترفين لم يكتفوا بإعلان كفرهم ، وتكذيبهم للأنبياء والمصلحين ، بل أضافوا إلى ذلك التبجح والتعالي على المؤمنين. فقال ـ تعالى ـ : (وَقالُوا) أى المترفون الذين أبطرتهم النعمة للمؤمنين الفقراء (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) منكم ـ أيها المؤمنون ـ ، إذ أموالنا أكثر من أموالكم ، وأولادنا أكثر من أولادكم ، ولو لا أننا أفضل عند الله منكم ، لما أعطانا. مالا يعطيكم ...
فنحن نعيش حياتنا في أمان واطمئنان (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) بشيء من العذاب الذي تعدوننا به لا في الدنيا ولا في الآخرة.
قال الامام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : افتخر المترفون ـ بكثرة الأموال والأولاد ، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله لهم ، واعتنائه بهم ، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا ، ثم يعذبهم في الآخرة ، وهيهات لهم ذلك. قال ـ تعالى ـ : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ، إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) (٢).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٨٥.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٥٠٩.