قال الشوكانى ما ملخصه : قوله : (إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) هو استثناء منقطع فيكون محله النصب. أى : لكن من آمن وعمل صالحا .. والإشارة بقوله : (فَأُولئِكَ) إلى (مَنْ) والجمع باعتبار المعنى. وهو مبتدأ. وخبره (لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) أى : فأولئك يجازيهم الله الضعف ، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول. أو فأولئك لهم الجزاء المضاعف فيكون من إضافة الموصوف إلى الصفة .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء عاقبة المصرين على كفرهم فقال : (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ ، أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ).
أى : والذين يسعون في إبطال آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، (مُعاجِزِينَ).
أى : زاعمين سبقهم لنا ، وعدم قدرتنا عليهم (أُولئِكَ) الذين يفعلون ذلك (فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) أى : في عذاب جهنم مخلدون ، حيث تحضرهم ملائكة العذاب بدون شفقة أو رحمة ، وتلقى بهم فيها.
وقوله ـ سبحانه ـ : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) تأكيد وتقرير لتلك الحقيقة التي سبق الحديث عنها ، وهي أن التوسع والتضييق في الرزق بيد الله ـ تعالى ـ وحده.
والضمير في قوله ـ تعالى ـ (لَهُ) يعود إلى الشخص الموسع عليه أو المضيق عليه في رزقه. أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المترفين على سبيل التأكيد وإزالة ما هم عليه من جهل : إن ربي ـ عزوجل ـ يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ، ويضيق هذا الرزق على من يشاء أن يضيقه منهم ، وليس في ذلك ما يدل على السعادة أو الشقاوة ، لأن هذه الأمور خاضعة لحكمته في خلقه ـ سبحانه ـ.
(وَما أَنْفَقْتُمْ) أيها المؤمنون (مِنْ شَيْءٍ) في سبيل الله ـ تعالى ـ وفي أوجه طاعته (فَهُوَ) ـ سبحانه ـ (يُخْلِفُهُ) أى : يعوضه لكم بما هو خير منه. يقال : فلان أخلف لفلان وأخلف عليه ، إذا أعطاه العوض والبدل.
(وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) أى : وهو ـ سبحانه ـ خير رازق لعباده لأن كل رزق يصل إلى الناس إنما هو بتقديره وإرادته ، وقد جرت سنته ـ سبحانه ـ أن يزيد الأسخياء من فضله وكرمه.
وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من يوم يصبح العباد فيه ،
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٤ ص ٣٣٠.