للمشركين أشد ، والتعبير أبلغ ، وهوانهم ألزم. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) حكاية لأقوال الملائكة.
أى : قال الملائكة في الإجابة على سؤال خالقهم. (سُبْحانَكَ) أى : ننزهك ونقدسك عن أن يكون لك شريك في عبادتك وطاعتك (أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) أى : أنت الذي نواليك ونتقرب إليك وحدك بالعبادة ، وليس بيننا وبين هؤلاء المشركين أى موالاة أو قرب ، ولا دخل لنا في عبادتهم لغيرك.
ثم صرحوا بما كان المشركون يعبدونه في الدنيا فقالوا : (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ).
أى : إن هؤلاء المشركين لا علم لنا بأنهم كانوا يعبدوننا ، ونبرأ من ذلك إن كانوا قد عبدونا ، وهم إنما كانوا يعبدون في الدنيا (الْجِنَ) أى الشياطين ، وكان أكثر هؤلاء المشركين يؤمنون بعبادة الشياطين ، ويطيعونهم فيما يأمرونهم به ، أو ينهونهم عنه.
فقوله ـ تعالى ـ (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) إضراب انتقالي ، لبيان السبب في شرك هؤلاء المشركين ، وتصريح بمن كانوا يعبدونهم في الدنيا.
قال الجمل : فإن قيل جميعهم كانوا متابعين للشياطين ، فما وجه قوله ـ تعالى ـ (أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) فإنه يدل على أن بعضهم لم يؤمن بالجن ولم يطعهم؟
فالجواب من وجهين : أحدهما : أن الملائكة احترزوا عن دعوى الإحاطة بهم ، فقالوا أكثرهم ، لأن الذين رأوهم واطلعوا على أحوالهم كانوا يعيدون الجن ، ولعل في الوجود من لم يطلع الله الملائكة على حاله من الكفار.
الثاني : هو أن العبادة عمل ظاهر ، والإيمان عمل باطن ، فقالوا : بل كانوا يعبدون الجن لاطلاعهم على أعمالهم ، وقالوا : أكثرهم بهم مؤمنون عند عمل القلب ، لئلا يكونوا مدعين اطلاعهم على ما في القلوب ، فإن القلب لا يطلع على ما فيه إلا الله (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أن الملك في يوم الحساب له وحده فقال : (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا).
أى : فاليوم لا يملك أحد من المعبودين أن ينفع أحدا من العابدين ، أو أن يضره ، بل الذي يملك كل ذلك هو الله ـ تعالى ـ وحده.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٨٧.
(٢) حاشية الجمل ج ٣ ص ٤٧٨.