أحدها : أن الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها ، كذلك الأعضاء تقبل الحياة.
ثانيها : كما أن الريح يجمع القطع السحابية ، كذلك يجمع ـ سبحانه ـ بين أجزاء الأعضاء ..
ثالثها : كما أنا نسوق الريح والسحاب إلى البلد الميت ، كذلك نسوق الروح والحياة إلى البدن الميت (١).
والنشور : الإحياء والبعث بعد الموت. يقال : أنشر الله ـ تعالى ـ الموتى ونشرهم ، إذا أحياهم بعد موتهم. ونشر الراعي غنمه ، إذا بثها بعد أن آواها.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن العزة الكاملة إنما هي لله ـ تعالى ـ وحده فقال : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً.) ...
والمراد بالعزة : الشرف والمنعة والاستعلاء ، من قولهم : أرض عزاز ، أى : صلبة قوية. و (مَنْ) شرطية ، وجواب الشرط محذوف. وقوله : (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) تعليل للجواب المحذوف.
والمعنى من كان من الناس يريد العزة التي لا ذلة معها. فليطع الله وليعتمد عليه وحده فلله ـ تعالى ـ العزة كلها في الدنيا والآخرة ، وليس لغيره منها شيء.
وفي هذا رد على المشركين وغيرهم ممن يطلبون العزة من الأصنام أو من غيرها من المخلوقات قال ـ تعالى ـ : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) (٢).
وقال ـ سبحانه ـ : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (٣).
قال القرطبي ما ملخصه : يريد ـ سبحانه ـ في هذه الآية ، أن ينبه ذوى الأقدار والهمم ، من أين تنال العزة ومن أين تستحق ، فمن طلب العزة من الله ـ تعالى ـ وجدها عنده ، ـ إن شاء الله ـ ، غير ممنوعة ولا محجوبة عنه .. ومن طلبها من غيره وكله إلى من طلبها عنده. وقال صلىاللهعليهوسلم مفسرا لهذه الآية : «من أراد عز الدارين فليطع العزيز» ، ولقد أحسن القائل.
وإذا تذللت الرقاب تواضعا |
|
منا إليك فعزها في ذلها |
__________________
(١) تفسير البخر الرازي ج ٧ ص ٣٢.
(٢) سورة مريم الآيتان ٨١ ، ٨٢.
(٣) سورة النساء الآية ١٣٩.