وقوله : (فَتُثِيرُ) من الإثارة بمعنى التهييج والتحريك من حال إلى حال.
أى : والله ـ تعالى ـ وحده ، هو الذي أرسل الرياح ، فجعلها بقدرته النافذة تحرك السحب من مكان إلى مكان ، فتذهب بها تارة إلى جهة الشمال ، وتارة إلى جهة الجنوب ، وتارة إلى غير ذلك.
وقوله : (فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) بيان للحكمة من هذه الإثارة. والمراد بالبلد الميت : الأرض الجدباء التي لا نبات فيها. والضمير في (فَسُقْناهُ) يعود إلى السحاب.
وقوله : (فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أى : فأحيينا بالمطر النازل من السحاب الأرض الجدباء ، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج.
فالضمير في قوله (بِهِ) يعود إلى المطر ، لأن السحاب يدل عليه لما بينهما من تلازم ، ويصح أن يعود إلى السحاب لأنه سبب نزول الأمطار.
وقال ـ سبحانه ـ (فَتُثِيرُ) بصيغة المضارع. استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على قدرة الله ـ تعالى ـ ، والتي من شأنها أن تغرس العظات والعبر في النفوس.
وقال ـ سبحانه ـ : (فَسُقْناهُ فَأَحْيَيْنا) بنون العظمة ، وبالفعل الماضي ، للدلالة على تحقق قدرته ورحمته بعباده.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : فإن قلت : لم جاء (فَتُثِيرُ) على المضارعة دون ما قبله وما بعده؟.
قلت : ليحكى الحال التي تقع فيها إثارة الرياح للسحاب ، وتستحضر تلك الصور البديعة الدالة على القدرة الربانية ، وهكذا يفعلون بكل فعل فيه نوع تمييز وخصوصية ..
ولما كان سوق السحاب إلى البلد الميت ، وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها ، من الدلائل على القدرة الباهرة قيل : فسقنا ، وأحيينا ، معدولا بهما عن لفظ الغيبة ، إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه .. (١).
والكاف في قوله ـ تعالى ـ : (كَذلِكَ النُّشُورُ) بمعنى مثل ، وهي في محل رفع على الخبرية. أى : مثل ذلك الإحياء الذي تشاهدونه للأرض بعد نزول المطر عليها ، يكون إحياء الأموات منكم.
قال الإمام الرازي : فإن قيل ما وجه التشبيه بقوله : (كَذلِكَ النُّشُورُ)؟ فالجواب من وجوه :
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٦٠١.