من تراب (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) وأصلها الماء الصافي أو الماء القليل الذي يبقى في الدلو أو القربة ، وجمعها : نطف ونطاف. يقال : نطفت القربة إذا قطرت.
والمراد بها هنا : المنى الذي هو مادة التلقيح من الرجل للمرأة.
(ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) أى : أصنافا ذكرانا وإناثا ، كما قال ـ تعالى ـ : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً). أو المراد : ثم جعلكم تتزاوجون ، فالرجل يتزوج المرأة ، والمرأة تتزوج الرجل. (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) أى : لا يحصل من الأنثى حمل ، كما لا يحصل منها وضع لما في بطنها ، إلا والله ـ تعالى ـ عالم به علما تاما لأنه ـ سبحانه ـ لا يخفى عليه شيء.
(وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) والمراد بالعمر الشخص الذي يطيل الله ـ تعالى ـ عمره.
والضمير في قوله (مِنْ عُمُرِهِ) يعود إلى شخص آخر ، فيكون المعنى : ما يمد ـ سبحانه ـ في عمر أحد من الناس ، ولا ينقص من عمر أحد آخر ، إلا وكل ذلك كائن وثابت في كتاب عنده ـ تعالى ـ وهذا الكتاب هو اللوح المحفوظ ، أو صحائف أعمال العباد أو علم الله الأزلى.
ومنهم من يرى أن الضمير في قوله (مِنْ عُمُرِهِ) يعود إلى الشخص ذاته وهو المعمر فيكون المعنى : وما يمد الله ـ تعالى ـ في عمر إنسان ، ولا ينقص من عمره بمضى أيام حياته ، إلا وكل ذلك ثابت في علمه ـ سبحانه ـ.
قال بعض العلماء : وقد أطال بعضهم الكلام في ذلك ومحصله : أنه اختلف في معنى (مُعَمَّرٍ) فقيل : هو المزاد عمره بدليل ما يقابله من قوله ولا ينقص ، وقيل : المراد بقوله (مُعَمَّرٍ) من يجعل له عمر. وهل هو شخص واحد أو شخصان؟
فعلى رأى من قال بأن المعمر ، هو من يجعل له عمر يكون شخصا واحدا بمعنى انه يكتب عمره مائة سنة ـ مثلا ـ ، ثم يكتب تحته مضى يوم ، مضى يومان ، وهكذا فكتابة الأصل هي التعمير .. والكتابة بعد ذلك هو النقص كما قيل :
حياتك أنفاس تعدّ فكلما |
|
مضى نفس منها انتقصت به جزءا |
والضمير حينئذ راجع إلى المذكور. والمعمر على هذا هو الذي جعل الله ـ تعالى ـ له عمرا طال هذا العمر أو قصر.
وعلى رأى من قال بأن المعمر هو من يزاد في عمره ، يكون من ينقص في عمره غير الذي