يزاد في عمره فهما شخصان. والضمير في «عمره» على هذا الرأى يعود إلى شخص آخر ، إذ لا يكون المزيد في عمره منقوصا من عمره ..» (١).
وقد رجح ابن جرير ـ رحمهالله ـ الرأى الأول وهو أن الضمير في قوله (مِنْ عُمُرِهِ) يعود إلى شخص آخر ـ فقال : وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب ، التأويل الأول ، وذلك أن ذلك هو أظهر معنييه ، وأشبههما بظاهر التنزيل (٢).
واسم الإشارة في قوله (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) يعود إلى الخلق من تراب وما بعده.
أى : إن ذلك الذي ذكرناه لكم من خلقكم من تراب ، ثم من نطفة .. يسيروهين على الله ـ تعالى ـ لأنه ـ سبحانه ـ لا يعجزه شيء على الإطلاق.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ نوعا آخر من أنواع بديع صنعه ، وعجيب قدرته ، فقال : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ ، هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ ، وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) ...
والماء العذب الفرات : هو الماء السائغ للشرب ، الذي يشعر الإنسان عند شربه باللذة وهو ماء الأنهار. وسمى فراتا لأنه يفرت العطش ، أى : يقطعه ويزيله ويكسره.
والماء الملح الأجاج : هو الشديد الملوحة والمرارة وهو ماء البحار. سمى أجاجا من الأجيج وهو تلهب النار ، لأن شربه يزيد العطشان عطشا وتعبا.
قالوا : والآية الكريمة مثل للمؤمن والكافر. فالبحر العذب : مثل للمؤمن ، والبحر الملح : مثل للكافر.
فكما أن البحرين اللذين أحدهما عذب فرات سائغ شرابه. والآخر ملح أجاج. لا يتساويان في طعمهما ومذاقهما. وإن اشتركا في بعض الفوائد ـ فكذلك المؤمن والكافر ، لا يتساويان في الخاصية العظمى التي خلقا من أجلها ، وهي إخلاص العبادة لله الواحد القهار ، وإن اشتركا في بعض الصفات الأخرى كالسخاء والشجاعة ـ لأن المؤمن استجاب لفطرته فآمن بالحق ، أما الكافر فقد عاند فطرته ، فأصر على الكفر.
وقوله : (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) بيان لبعض النعم التي وهبها ـ سبحانه ـ لعباده من وجود البحرين.
أى : ومن كل واحد منهما تأكلون لحما طريا ، أى : غضا شهيا مفيدا لأجسادكم ، عن طريق ما تصطادونه منهما من أسماك وما يشبهها.
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ١٤ ص ٤٩٧٦.
(٢) تفسير ابن جرير ج ٢٢ ص ٨١.